الأنشطة البشرية تتسبب في تغير لون مياه المحيطات إلى الأخضر.
قالت دراسة جديدة إن لون المياه في مساحات شاسعة من المحيطات تغير بشكل كبير على مدار العقدين الماضيين، ومن المحتمل أن يكون هذا النمط العالمي نتيجة لتغير المناخ الذي يسببه النشاط البشري.
في الدراسة التي نشرت في 12 يوليو/تموز الجاري بدورية “نيتشر” (Nature)، قال الباحثون إنهم اكتشفوا تغيرات في لون مياه المحيط على مدى قرابة 20 عاما الماضية، وإن هذه التغيرات اللونية لا يمكن تفسيرها بالتنوع الطبيعي من سنة إلى أخرى فقط.
ويعتقد المؤلفون أن هذه التحولات اللونية، على الرغم من كونها دقيقة وصعبة الملاحظة بالعين البشرية، حدثت في أكثر من 56% من محيطات العالم، وهي مساحة أكبر من إجمالي مساحة اليابسة على الأرض، حيث تستجيب مجتمعات العوالق النباتية لتأثيرات ارتفاع درجات الحرارة العالمية، خاصة حول خط الاستواء.
تغير لون المحيطات
يمكن أن يتغير لون المحيط لأسباب عديدة، وفقا لقائد فريق البحث في الدراسة بي بي كايل الباحث بالمركز الوطني للمحيطات في المملكة المتحدة، الذي أوضح أنه عندما ترتفع نسبة العناصر الغذائية بشكل جيد من أعماقها وتغذي أزهارا هائلة من العوالق النباتية التي تحتوي على الصباغ الأخضر “الكلوروفيل”، يتغير لون المياه إلى اللون الأخضر. وتساعد الصبغة العوالق على حصاد ضوء الشمس الذي تستخدمه لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى سكريات.
وأضاف كايل، في تصريح للجزيرة نت عبر البريد الإلكتروني، أنه من خلال دراسة الأطوال الموجية لأشعة الشمس المنعكسة عن سطح المحيط، أمكن للفريق تقدير كمية الكلوروفيل الموجودة في المياه وبالتالي عدد الكائنات الحية مثل العوالق النباتية والطحالب الموجودة في البقعة المدروسة. ومن الناحية النظرية، يجب أن تتغير الإنتاجية البيولوجية لهذه الكائنات عندما تصبح مياه المحيطات أكثر دفئا مع تغير المناخ.
وقال كايل إنه مع ارتفاع درجة حرارة المحيط، يصبح الجزء العلوي منه أكثر تراكبا، بمعنى أنه يصبح من الصعب على العناصر الغذائية الوصول إلى مكان الضوء، نظرا لضعف دورة انتقال المياه بين السطح والقاع، ومن ثم فإن مجتمعات العوالق النباتية التي تعيش في أعالي المياه وتعتمد على هذا التدفق من المغذيات، تتغير استجابة لذلك التغير.
لكن الباحث يلفت إلى أن كمية الكلوروفيل في المياه السطحية يمكن أن تختلف بشكل ملحوظ من سنة إلى أخرى، مما يجعل من الصعب التمييز بين أي تغييرات ناجمة عن تغير المناخ والتقلبات الطبيعية الكبيرة. لذلك، يعتقد الفريق أن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى 40 عاما من الملاحظات لاكتشاف أي تطورات لونية جديدة.
تحليل الاختلافات اللونية
استخدم المؤلفون البيانات التي تم جمعها بواسطة أداة “موديس” (MODIS) على القمر الصناعي “أكوا” (Aqua) التابع لوكالة أبحاث الفضاء الأميركية “ناسا” لرصد التغيرات في الإشعاع القادم من سطح الماء، وهو مقياس رئيسي لتحليل التحولات في لون المحيط في الفترة من عام 2002 حتى عام 2022، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع “يوريك ألرت” (Eurek Alert).
وتتسم الاختلافات في اللون التي يلتقطها القمر الصناعي بالدقة الشديدة بحيث لا يمكن للعين البشرية تمييزها. وفي حين تظهر المحيطات من منظور أعيننا البشرية باللون الأزرق، فإن اللون الحقيقي قد يحتوي على مزيج من الأطوال الموجية الرقيقة، من الأزرق إلى الأخضر وحتى الأحمر.
وقد بحث الفريق عن التغيرات اللونية من خلال 7 أطوال موجية مختلفة من الضوء المنعكس من المحيط، بدلا من الالتزام بتحليل الطول الموجي الفردي المستخدم لتتبع الكلوروفيل فقط.
ونظروا أولا في مدى تغير الألوان السبعة من منطقة إلى أخرى خلال عام معين، مما أعطاهم فكرة عن الاختلافات الطبيعية. ثم قام بعد ذلك الفريق بقياس التغيرات في هذه الاختلافات السنوية في لون المحيط على مدى أطول من عقدين.
وقد أظهر هذا التحليل اتجاها واضحا يميل إلى زيادة التغير بمستوى أعلى من التباين الطبيعي في اللون من عام لآخر. ومن خلال مقارنة النتائج بنماذج محاكاة المناخ الحاسوبية، استنتج الباحثون أن تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية هو السبب الرئيسي وراء هذه العوامل التي أدت لتغير لون مياه المحيطات.