الأمن السيبراني.. نسخة 2024
كتب د. ضاري عادل الحويل في صحيفة القبس.
أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي التقرير العالمي للأمن السيبراني لعام 2024 مسلّطًا الضوء على التحدّيات والتطوّرات الحالية والمستقبلية في المجال. وأشار التقرير في طيّاته إلى وجود فجوة متزايدة بين الشركات والمؤسسات، بل وحتى الدول، التي تمتلك القدرة على مواجهة التهديدات السيبرانية وتلك التي تعاني من نقص في القدرات والمواهب المؤهلة والمدرّبة. لا شك أن التطوّرات التكنولوجية الحديثة، مثل ما نشهده من تسارع رهيب في تقنيات الذكاء الاصطناعي وعلى رأسها نماذج اللغة الكبيرة والتي اشتهرت من خلال (شات جي بي تي)، زادت من تعقيدات الأمن السيبراني، لكن في ذات الوقت قد تكون هي ذاتها فرصا أخرى لتعزيزه!
تجلب معها هذه التقنيات تحدّيات جديدة ومعقّدة في مجال الأمن السيبراني، مما يستلزم تطوير الكوادر البشرية ومدها بالمهارات والمعارف التخصصية. بينما يرى البعض أن تقنيات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات التي تعتمد عليها نماذج اللغة الكبيرة سهّلت على المهاجمين تطوير هجمات أكثر تعقيداً وفعالية، وهذا صحيح، يقول الخبراء ان هذه النماذج لم تعد مجرّد أدوات عامة، بل تطوّرت لتصبح أكثر تخصصًا في معالجة التحدّيات الأمنية المعقّدة، مما يزيد من قدرتها على رصد ومنع الهجمات السيبرانية بدقّة أعلى، حيث شهدنا تحسنًا بنسبة %40 في الدقّة والفعالية في تحليل البيانات الأمنية مقارنة بالسنوات السابقة.
تشير بعض التقارير الفنيّة الحديثة الى أننا سنشهد توسعًا، وبشكل غير مسبوق، في حالات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الأمن السيبراني. فعلى سبيل المثال، وفقًا لتقرير صادر عن شركة (سايبر سيكيوريتي فينتورز)، فإنه من المتوقع أن تقلل نماذج الذكاء الاصطناعي من الأضرار الناجمة عن الهجمات الإلكترونية بنسبة تصل إلى %30 بحلول نهاية العام، وهذه دلالة واضحة بأن الذكاء الاصطناعي يمثّل ترسانة دفاعية حيوية لا غنى عنها في تعزيز الكفاءة وتقليل التكاليف الأمنية. تخيّلوا معي قدرتكم على مراجعة آلاف الأدلة المتعلّقة بأمن الشبكات، مثل إعدادات أجهزة الجدران النارية، أو تزويد المستخدمين الجدد بالصلاحيات الأمنية المطلوبة، بل وتخصيص أساليب الحماية الأمنية لكل موظف بشكل مستقل.
إن قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على معالجة المعلومات الصحيحة وتلخيصها وتحليلها وإنتاجها بطريقة سريعة وقابلة للتطوير ستؤدي إلى تحوّل ثوري في مراكز عمليات الأمن السيبراني. إن التقدّم الذي نشهده اليوم هو مجرد بداية، ويجب أن نكون مستعدين للتحديات التي يجلبها هذا التطور. يتطلّب ذلك تعاونًا متواصلًا بين المختصين في المجال، والمؤسسات الأكاديمية، وصانعي السياسات لضمان تطوير أطر عمل آمنة وفعالة تواكب هذه التطورات. ويبقى السؤال: هل نحن مستعدون للأمن السيبراني نسخة 2024؟