الأمن الأوروبي في خطر
أمن القارة الأوروبية ومعه أمن العالم لم يعد مضموناً كما كان في السابق، فالإصرار الأمريكي على التصعيد من خلال شن الحروب بالوكالة، أو الحروب المباشرة، أو التمدد في شرق القارة الأوروبية من خلال حلف الأطلسي، أو إقامة تحالفات عسكرية في المحيطين الهندي والهادئ، أو فرض عقوبات اقتصادية، كل ذلك يضع العالم على صفيح ساخن، ويجعل من المواجهة الشاملة أمراً محتملاً ما دامت سياسة الهيمنة والتفرد بقيادة النظام الدولي تشكل أساس الاستراتيجية الأمريكية.
إن قرار الولايات المتحدة وألمانيا مؤخراً نشر صواريخ بعيدة المدى على مراحل في ألمانيا بحلول عام 2026، تشمل صواريخ «إس إم-6»، وصواريخ «توماهوك»، وصواريخ أخرى فرط صوتية يجري تطويرها، وسيكون لها مدى «يتجاوز بكثير» أي نظام أرضي منتشر حالياً في أوروبا، هي خطوة تزعزع
بلا شك الاستقرار في القارة، وتشكل تهديداً مباشراً للأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي، لأنها تستهدف روسيا بشكل مباشر.
لقد كان نشر أو استخدام هذا النوع من الأسلحة التي يتراوح مداها بين 500 كيلو متر و5500 كيلو متر محظوراً بموجب معاهدة الحد من الأسلحة المتوسطة المدى بين واشنطن وموسكو والموقعة خلال الحرب الباردة، وانسحب البلدان منها في عام 2019، واتهم كل منهما الآخر بعدم الامتثال لها، ومع ذلك أعلنت روسيا أنها سوف تلتزم بوقف إنتاج مثل هذه الصواريخ إذا لم تنشرها الولايات المتحدة على مقربة من حدودها.
إن قرار واشنطن نشر صواريخ في ألمانيا سوف يؤدي إلى تقويض منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تأسست عام 1975 في ذروة الحرب الباردة بين المعسكر السوفييتي والمعسكر الغربي كمنصة للحوار بين المعسكرين، وتضع نهاية لدورها في تعزيز الأمن والاستقرار والتعاون في القارة الأوروبية، أو معالجة مختلف القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية والبيئية وقضايا حقوق الإنسان، وبمعنى آخر فإن القرار الأمريكي يعني تعرية أوروبا من أي غطاء يوفر لها الأمن والاستقرار.
وعندما يهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بلاده سوف تستأنف إنتاج أسلحة نووية متوسطة المدى إذا أكدت الولايات المتحدة عزمها نشر صواريخ في ألمانيا أو في أي مكان آخر في أوروبا، فهذا يزيد من مخاطر المواجهة ويعرّض مجمل الوضع الأمني في القارة الأوروبية للخطر، خصوصاً أن الجانبين الروسي والأمريكي أغلقا خطوط التواصل واللقاءات بينهما لتجنب المزيد من التصعيد في ظل الحرب الأوكرانية، رغم أن الرئيس بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف أكدا في أكثر من مناسبة أن موسكو منفتحة على الحوار مع الغرب بشأن الاستقرار الاستراتيجي، «ولكن ليس من موقع قوة، بل على قدم المساواة، ومع احترام بعضنا بعضاً»، وهو أمر تتجنبه الولايات المتحدة بل تتخذ خطوات تصعيدية، وتمعن في الاستفزاز، بما يزيد من التصعيد والمواجهة لعلها بذلك تحافظ على نظامها الدولي الأحادي، وتحول دون قيام نظام دولي جديد أكثر عدلاً ومساواة.
المصدر: الخليج.