رأي

الأمم المتحدة بين خيارين

كتب يونس السيد في صحيفة الخليج.

بعد 80 عاماً على إنشائها، تقف منظمة الأمم المتحدة على أعتاب مرحلة فاصلة، إما أن تقودها إلى الإصلاح والتطوير بما يتلاءم مع المتغيرات الدولية والظروف الناشئة، أو تؤدي إلى انهيارها بالكامل، وإفساح المجال أمام ظهور نظام دولي جديد أكثر عدلاً وتوازناً وشمولية.
من المسلم به أن الأمم المتحدة عند تأسيها في 24 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1945، كانت تعكس موازين القوى القائمة آنذاك، وبالدرجة الأولى مصالح القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لكنها مع ذلك وضعت قواعد نظام دولي يستند إلى حل الصراعات العالمية بالوسائل السلمية، ويسعى للحفاظ على الاستقرار والسلم والأمن الدولي. غير أن هذه القواعد سرعان ما اهتزت بعد أول اختبار حقيقي مع نشوب الحرب الباردة وقيام معسكرين متنافسين أحدهما يمثل العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والآخر يمثل الشرق بقيادة الاتحاد السوفييتي، وهي المعادلة التي ظلت قائمة حتى انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991.
وخلال تلك الفترة، تحولت الأمم المتحدة من ميدان للتعاون وبناء الشراكات والمنافع المتبادلة إلى ساحة معركة دبلوماسية، واستخدام متكرر لحق النقض «الفيتو» وفقاً لمصالح هذا المعسكر أو ذاك. ومع مرور الزمن، وقعت المنظمة الدولية في قبضة إمبراطوريات عظمى، تتقدمها الولايات المتحدة، التي باتت تقود سياسية الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة، خصوصاً تجاه إسرائيل، التي صدرت بحقها عشرات القرارات الأممية، ولم تنفذ قراراً واحداً منها طوال تاريخها لتصبح دولة فوق القانون بفضل الحماية الأمريكية.
والواقع أنها تحولت إلى أمم غير متحدة، يشوبها الانقسام والتشرذم، ما أفسح المجال لنشوء تحالفات خارج أطرها الشرعية تلبية لمصالح سياسية وعسكرية معينة. وهو ما أدى إلى إضعافها، وفقدان مصداقيتها وثقة المجتمعات والدول الناشئة بها، وقد يكون الاختبار الأهم للأمم المتحدة منذ تأسيسها هو عجز المجتمع الدولي عن التعامل مع الكارثة الإنسانية ووقف حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة طوال عامين، على الرغم من السيل الجارف للاحتجاجات التي عمت شوارع المدن والعواصم العالمية.
وبالمحصلة، لا يتوقف الأمر عند الشرق الأوسط، وإنما يطال ذلك الصراعات الممتدة في الساحة العالمية، بما في ذلك الحرب الأوكرانية والبؤر المشتعلة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلى جانب الحروب التجارية التي أطلقتها واشنطن ضد العالم بأسره، والمخاوف الناجمة عن تحولها إلى حروب كارثية لا تبقي ولا تذر.
ومن هنا بدأت الأصوات تتعالى في العالم للمطالبة بتشكيل نظام دولي جديد يقوم على التعددية والتوازن الدولي واحترام حقوق الإنسان، ويحقق تمثيلاً أكثر عدالة وشمولية لشعوب العالم، وهو ما يضع الأمم المتحدة أمام خيارين: إما إحداث إصلاحات جذرية تتناسب مع المتغيرات العلمية، أو إنها ستندثر، في النهاية، لصالح الشعوب التي تكافح من أجل حقوقها في الحرية والعيش في سلام وأمن حقيقيين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى