الأغلبية: بين الحزب… ونظامه
كتبت كريستال خوري في “اساس ميديا”:
بعد أقلّ من ثلاثة أسابيع على فتح صناديق الاقتراع، والنتائج السوريالية التي أفرزتها، لا يزال البحث جارياً عمّن باستطاعته الإمساك بأغلبية نيابية تمكّنه من تسيير الدفّة، سواء على المستوى النيابي، أو الحكومي، أو حتى الرئاسي. وهي كلّها استحقاقات على الطريق.
نظريّاً، حاولت المعارضات، الموزّعة على أكثر من محور وكتلة وتكتّل وحزب، الترويج لرواية استحواذها على الأغلبية الجديدة في برلمان 2022، نتيجة خسارة خصومها، وتحديداً قوى الثامن من آذار، للأغلبيّة التي كانت في جيبها طوال ولاية مجلس 2018. لكنّ الاستحقاقين اللذين شهدهما المجلس النيابي حديثاً، والمتمثّلين بانتخاب رئيس ونائب له، أظهرا واقعاً مغايراً، لا بل معاكساً تماماً. إذ تمكن الرئيس برّي من إعادة تجديد تلك الأغلبية، ولو بقيت على الحافة، أي 65 صوتاً، وبالاستعانة بثلاثة محاور أساسية:
يُستخلَص أنّ ثلاثي قوى الثامن من آذار، الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر”، يمكن أن يجمع أغلبية نيابية، وأكثر، عند بعض الاستحقاقات
المحور الأوّل هو كتلة “اللقاء الديمقراطي” التي جاهرت بتأييدها إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، ولولاية سابعة جديدة، ربطاً بعاملين: الأوّل هو العلاقة المتينة بين برّي ووليد جنبلاط الذي يحرص دوماً على الفصل بين صديقه العتيق وبين “حزب الله”. ولهذا سارع بعد ساعات من إعلان النتائج إلى التغريد قائلاً: “بعد هزيمة الأمس للأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس نتيجة سوء التنسيق، قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من أجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية الإيرانية التي للتذكير ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكلّ الوسائل ولن ترحم أحداً”. والثاني هو الإبقاء على مسافة فاصلة بين “الاشتراكي” و”القوات” على الرغم من تحالفهما الانتخابي، لكنّ حسابات السياسة تختلف، وهذا ما يجعل من تفاهمهما قيد المراجعة الدائمة.
المحور الثاني هو كتلة “قدامى المستقبل” ولو تفاوتت طبيعة علاقتهم برئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لكنّه يبقى الأكثر قدرة على التأثير عليهم، ولعلّ هذا ما يفسّر منح الكثير منهم أصواته لبرّي.
المحور الثالث هو النواب المستقلّون، أو بالأحرى غير المنضوين في تكتّلات كبيرة، ومنهم على سبيل المثال جان طالوزيان، ميشال المر، ميشال ضاهر، شربل مسعد، غسان سكاف، سجيع عطية. وهؤلاء أيضاً تمكّن الرئيس برّي من “الغرف” من “معجنهم”.
“أغلبية النظام”
بناء عليه، يُستخلَص أنّ ثلاثي قوى الثامن من آذار، الثنائي الشيعي و”التيار الوطني الحر”، يمكن أن يجمع أغلبية نيابية، وأكثر، عند بعض الاستحقاقات، استناداً إلى الأرقام التالية: الثنائي الشيعي (27 صوتاً) + ميشال موسى، “تكتّل لبنان القوي” (20 صوتاً)، الحلفاء السُنّة وعددهم 7 (ينال الصلح، ملحم الحجيري، قاسم هاشم، طه ناحي، عدنان طرابلسي، جهاد الصمد، حسن مراد)، إلى جانب كلّ من طوني فرنجية، ملحم طوق، فريد الخازن، وفراس سلوم وميشال المرّ. يبلغ مجموع هؤلاء 60 صوتاً. وهذا يعني أنّ الاستعانة بخمسة نواب مستقلّين، قد يمنحهم الأغلبية، فكيف الحال إذا انضمّ إليهم “قدامى المستقبل” أو “اللقاء الديمقراطي” عند حصول تقاطعات مشتركة؟ عندها تصير أغلبية “النظام” السياسي الذي يجمع هؤلاء، وليس الأغلبية التي تحدّث عنها قاسم سليماني بعد انتخابات 2018.
في المقابل، فإنّ التمايز الحاصل بين أربعة محاور أساسية، وهي “القوات”، “الاشتراكي”، نواب “17 تشرين”، و”قدامى المستقبل”، يجعل من احتمال التقاء هؤلاء على استحقاقات أساسيّة، صعباً جدّاً. ولهذا يقول “اشتراكيون” إنّ جنبلاط سارع إلى مدّ اليد نحو الكتل الاعتراضية بعد وضعه الإصبع على جرح بعض “التناقضات الثانوية”، لكنّه في المقابل يعتبر أنّ الالتقاء على قواسم مشتركة، وأبرزها القضايا السيادية المرتبطة بسلاح “حزب الله” والقضايا الإصلاحية، بات حاجة ماسّة لا بدّ منها، وإلا فإنّ “الحزب” سيضع يده على مجلس النواب، ومن بعده الحكومة ورئاسة الجمهورية، كما يرى اشتراكيون.
لكن ثمّة من يقول إن ّجنبلاط يعرف كيف يدوزن خطواته، وهو يترك خطّ رجعة مع “الثنائي الشيعي” من خلال حلفه المتين مع برّي، لكنّه مع ذلك يسعى إلى تعزيز الجبهة المقابلة لكي لا تصير “لقمة سائغة”، ولهذا رفع الصوت عالياً، خصوصاً باتجاه نواب “17 تشرين” الغارقين في تمايزاتهم الداخلية، لكي يسوّوا خلافاتهم وتناقضات آرائهم ومواقفهم. وحتى لو تشكّلت هذه الجبهة، فهو الأشطر في تدوير زوايا توزيع أصوات كتلته بين الاصطفافين. والاستحقاق الحكومي في حال حصوله قريباً، قد يكون الاختبار الثاني بعد انتخابات المجلس.