شؤون دولية

«الأطلسي» يحيي مرور 75 عاماً على تأسيسه على وقع الحرب الروسية واحتمال عودة ترمب

انطلق بـ12 عضواً في واشنطن عام 1949 وأصبح يضم 32 أحدثهم فنلندا والسويد كنتيجة لغزو أوكرانيا عام 2022

أجمعت قيادات الحلف الأطلسي خلال الاحتفال باليوبيل الماسي لتأسيس ما يصفه كثيرون بأنه أنجح تحالف عسكري في التاريخ، على أن منظمة الدفاع الغربية هي اليوم أقوى وأكثر وحدة من أي وقت مضى، لكنها لم تتردد في الاعتراف بأن التهديدات التي تتعرّض لها لم تعد مقصورة على الجهات الخارجية مع الحرب الدائرة في أوكرانيا، وأن ثمّة أخطاراً تعتمل منذ فترة من الداخل، خاصة في حال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

هذا ما دفع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبيرغ لتوجيه رسالة واضحة إلى واشنطن عندما قال إن الولايات المتحدة تحتاج للحلف الأطلسي بقدر ما تحتاج إليه أوروبا، وإنها قطعاً ستكون أضعف من دونه.

«أوروبا تحتاج للولايات المتحدة للحفاظ على أمنها، كما تحتاج الولايات المتحدة لأوروبا. معاً نحن أقوى وأكثر أماناً»، هذا ما قاله ستولتنبيرغ خلال الاحتفالات التي شهدها مقر المنظمة في بروكسل، والتي ستتكرر بمزيد من الأبهة والفخامة في العاصمة الأميركية مطالع يوليو (تموز) المقبل بمناسبة مرور 75عاماً على توقيع معاهدة واشنطن في 4 أبريل (نيسان) 1949 التي على أساسها قام الحلف الدفاعي الغربي.

وانطلق الحلف باثني عشر عضواً من أميركا الشمالية وأوروبا، وقد أُسس في وقت شهد مخاوف متزايدة من التهديد العسكري الذي شكله الاتحاد السوفياتي على الديمقراطيات الأوروبية. وبعد مرور 75 عاماً، أصبح عدد أعضاء الحلف 32 وأصبح له دور مركزي في الشؤون العالمية، بعدما دفعت الحرب الروسية في أوكرانيا الحكومات الأوروبية مرة أخرى للنظر إلى موسكو باعتبارها تهديداً أمنياً كبيراً. وجاء انضمام أحدث عضوين وهما فنلندا والسويد كنتيجة مباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.

وفي كلمته التي كادت تكون موجهة بشكل حصري إلى الحليف الأميركي، قال الأمين العام للحلف: «بفضل المنظمة الأطلسية أصبح للولايات المتحدة من الحلفاء والأصدقاء أكثر من أي قوة عظمى أخرى»، مذكّراً بأن المرة الأولى التي تمّ فيها تفعيل المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية، التي تكرّس الدفاع المشترك بموجب مبدأ اعتبار أي اعتداء على إحدى الدول الأعضاء بمثابة اعتداء على جميع الأعضاء، كانت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 ضد الولايات المتحدة.

هذه العبارات التي أدلى بها ستولتنبيرغ أمام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، كانت في الواقع موجهة إلى دونالد ترمب الذي لم يرد ذكر اسمه مرة واحدة خلال الاحتفالات في العاصمة البلجيكية، لكنه كان حاضراً في أذهان جميع الوزراء الحاضرين الذين كرروا جميعاً ضرورة الحفاظ على وحدة الصف خاصة بعد دعوة ترمب الاتحاد الروسي ليفعل ما يحلو له بكل عضو في الحلف الأطلسي لا ينفق ما هو مقرر لتمويل الدفاع المشترك؛ أي ما لا يقلّ عن 2 في المائة من الناتج القومي الإجمالي.

وذهب الأمين العام للحلف إلى أقصى ما يمكن الذهاب إليه لثني ترمب عن تنفيذ تهديداته في حال عودته إلى البيت الأبيض، عندما قال: «أوروبا تزيد إنفاقها العسكري باستمرار وبشكل ملحوظ، وعندما تعود الدول الأعضاء إلى الاجتماع بعد أشهر في واشنطن ستكون غالبيتها العظمى قد خصصت ما يزيد عن النسبة المقررة للإنفاق العسكري»، مشدداً على أن الأمر لا يقتصر على المال فحسب؛ «لأن الحلفاء الأوروبيين يضعون في تصرّف الحلف قوات مسلحة من الدرجة الأولى، وشبكة واسعة من أجهزة المخابرات المتطورة، ونفوذاً دبلوماسياً فريداً، ما يساهم في مضاعفة القوة الأميركية». كما اتفق أعضاء الحلف على أهمية توفير المزيد من أنظمة الدفاع الجوي لحماية أوكرانيا من هجمات الصواريخ الباليستية الروسية.واجتمع وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا مع نظرائه في الحلف وناشدهم توفير أنظمة دفاع جوي إضافية جديدة، وخصوصاً منظومة الصواريخ «باتريوت» أميركية الصنع. وقال ستولتنبيرغ بعد الاجتماع: «الحلفاء يتفهمون مدى إلحاح الأمر». وأضاف خلال مؤتمر صحافي: «سيعود الحلفاء الآن (إلى بلدانهم)… للبحث عن سبل يمكنهم من خلالها توفير المزيد من الأنظمة، وخصوصاً الصواريخ (باتريوت)، مع التأكد قطعاً من توافر الذخيرة وقطع الغيار لتلك الأنظمة». وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا مهم بشكل خاص؛ لأن دولاً مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران تدعم جهود روسيا لبناء قاعدتها الصناعية الدفاعية.

وأضاف بلينكن في المؤتمر الصحافي مع ستولتنبيرغ: «أعتقد بناء على ما سمعته اليوم أن الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة، سيضاعفون جهودهم… وإذا لزم الأمر سيوفرون الموارد التي لا تزال أوكرانيا بحاجة إليها»، في إشارة إلى احتياجاتها من الدفاعات الجوية والمدفعية والذخائر. لكن لم يكشف ستولتنبيرغ أو بلينكن عن أي تعهد أو هدف محدد للمساعدات.

معظم الكلمات التي ألقاها وزراء خارجية الدول الأعضاء طوال يومين من الاحتفالات التي كانت خاتمتها حول قالب كبير من الشوكولا البلجيكية، شدّدت على أهمية الحفاظ على وحدة الصف ودور الحلف الحيوي في الدفاع عن الأمن والسلم في أوروبا، في حين ذهب البعض إلى التركيز على دور الحلف في صون قيم الديمقراطية والتعددية والتسامح والحرية التي يقوم عليها المشروع الأوروبي، والتي تتعرّض لهجوم ممنهج من القوى اليمينية المتطرفة الصاعدة باطراد في المهد السياسي الأوروبي، غالباً بتواطؤ مع موسكو أو بدعم مباشر منها.

ولإدراكه أن مثل هذا الخطاب لا يلقى آذاناً صاغية عند المرشح ترمب في حال عودته إلى البيت الأبيض، قال ستولتنبيرغ، أيضاً في معرض الرد على التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الكرملين، عادّة أن روسيا والحلف الأطلسي أصبحا في حال مواجهة مباشرة: «إن الحلف الأطلسي ليس طرفاً في النزاع الدائر، ولن يكون طرفاً فيه أبداً». وأضاف: «ليس لدينا أي خطط لنشر قوات قتالية تابعة لحلف شمال الأطلسي داخل أوكرانيا، وليس هناك أي طلب لفعل ذلك».

واتفقت الدول الأعضاء في الحلف في اليوم الأول للاجتماع على البدء في التخطيط للقيام بدور أكبر في تنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا لمساعدتها في قتال روسيا. وقال بلينكن: «هذه مناقشة مستمرة سنجريها في الأسابيع المقبلة، وأتصور أنكم سترون شيئاً ما خلال القمة عندما نجتمع معاً في واشنطن في يوليو». ووفقاً لدبلوماسيين، اقترح ستولتنبيرغ إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو (نحو 108 مليارات دولار) لدعم الجيش الأوكراني على مدى خمس سنوات.

ورد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، على خطط الحلف قائلاً إن أنشطته لا تعزز حالياً الأمن ولا الاستقرار في أوروبا، «بل على العكس من ذلك فهي عامل مزعزع للاستقرار». وأضاف بيسكوف أن «(الناتو) تم تخطيطه وتشكيله وإنشاؤه وإدارته من قبل الولايات المتحدة كأداة للمواجهة» خاصة في أوروبا. وقال بيسكوف في موسكو إن العلاقات بين روسيا والحلف «تدهورت فعلياً إلى مستوى المواجهة المباشرة»، مضيفاً أن «الناتو» هو «متورط في الصراع بشأن أوكرانيا».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى