الأردن كما هو… لا كما يريد المشككون والعابرون

كتب عبد الكريم حمد العبادي في صحيفة الدستور.
في زمنٍ تتلاطم فيه أمواج التحديات، وتتقاطع فيه المصالح وتُختبر فيه الثوابت، ينهض الأردن كصرحٍ لا تهزه الرياح، وكينونةٍ متفرّدة في المشهدين الإقليمي والدولي. إن من يتأمل في تفاصيل المشهد الأردني، يدرك دون عناء أننا أمام وصفةٍ نادرة، تمزج بين الانفتاح والحكمة، بين الثبات والمرونة، بين الأصالة والتحديث، ضمن معادلة قلّ أن تجد لها نظيراً.
ليست القوة الأردنية مستمدة من عددٍ أو عُدة فحسب، بل من نسيجٍ اجتماعي واعٍ ومتماسك، ارتشف قيم الثورة العربية الكبرى وتشرّب مبادئها، فظل وفيًّا لرايتها، متمسكًا بثوابتها، مدافعًا عن سيادته وقراره الوطني المستقل. هذا الشعب، رغم ما يواجه من تحديات معيشية أو ضغوط اقتصادية، ينهض دومًا على كلمة سواء، تسبقها البصيرة وتلحقها الحكمة، لا تُغريه الشعارات الرنانة، ولا تفتّ في عضده أصوات النشاز أو أولئك الذين يعتاشون على أزمات الأوطان.
في قلب هذه المعادلة، تقف القيادة الهاشمية، بما تمتاز به من حنكة سياسية نادرة، وقراءة استباقية دقيقة للمتغيرات. فالمتابع لنهج الدولة الأردنية يلحظ بجلاء كيف استطاعت السير على خيط رفيع يفصل بين ضرورات الإصلاح السياسي والانفتاح على الحريات، وبين متطلبات الأمن والاستقرار. إنها وصفة تقوم على التحديث دون تهور، وعلى المحافظة دون انغلاق، فكانت مساحات التعبير مصونة، وحقوق المواطن محترمة، ضمن بيئة قانونية عادلة، ودولة مؤسسات توازن بين الصرامة والحلم.
وعلى الساحة الدولية، فكان حضور الأردن قائم على احترام لا يُشترى. فقد نجح، بقيادته الحكيمة، في ترسيخ حضوره كصوتٍ للعقل والاعتدال، وصاحب موقف مبدئي لا يُساوَم في قضايا الأمة، بمقدمتها القضية الفلسطينية، التي لم تغب يومًا عن خطاب الدولة ولا عن ضميرها السياسي. فبثباته على مبادئه، وبقدرته على نسج شبكة علاقات دولية متوازنة، حاز الأردن احترام العالم، لا بسطوة القوة، بل بقوة المنطق، حتى بات مرجعًا في أوقات التأزم، ومقصداً للحوار في زمن الاستقطاب.
ولأن الأمن هو ركيزة البناء، يقف نشامى القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي ومعهم نشامى الأجهزة الأمنية كحصنٍ منيع، ودرعٍ لا يلين. احترافية عالية، وانضباط صارم، وعقيدة راسخة بأن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط على الثغور، بل بحماية المنجز الوطني، وصون كرامة المواطن، والحفاظ على هيبة الدولة. إنها مؤسسات لا تتحدث كثيراً، لكن أفعالها تتكلم نيابة عنها، في الصمت كما في العاصفة.
أما أولئك الذين يحاولون الطعن في الجيش العربي المصطفوي الباسل، فليس لهم من قيمة سوى أنهم يضللون عيوناً عمياء، ويحاولون تزييف الحقائق بحقدٍ لا يُخفي نواياهم الدنيئة. هؤلاء لا يدركون أن الجيش ليس مجرد قوة عسكرية، بل هو رمز للفداء والشرف، ويعكس أسمى معاني التضحية التي يجهلونها.
وفي الخاتمة، التي لا تُختتم في هذا المقام، ما لنا إلا أن نقول ما أروعك يا أردن… فيك من الصبر ما يكفي لطمأنة أمة، ومن الحكمة ما يوازن أمواج العالم، ومن الشجاعة ما يُثبّت الرايات على أعلى القمم. لك في كل قلبٍ بيت، وفي كل وجدان موطئ عشق. وطنٌ صغير المساحة، عظيم الرسالة، لا ينكسر، لا يُباع، ولا يُشترى.
وستظل كما أنت يا أردن… منارة تستمد ضوءها من الشمس، وتظلّل بظلها كل من أحب العدل، وآمن بالحق، وطلب الكرامة. وفي قلب هذه المنارة، تقف القيادة الهاشمية، تحمل شعلة المبادئ، وتُبقي بوصلتنا متجهة نحو الكرامة والسيادة، تُجسد الحكمة في القول، والاتزان في الفعل، والصدق في الانتماء. فبها يُصان النهج، وتُحمى الراية، وتُروى أرض الوطن بعرق من لا يعرفون غير الوفاء.