الأردن: بوابة الاستثمار والابتكار في السياحة والتكنولوجيا

كتب د. محمد العرب في صحيفة الدستور.
في زيارتي الأخيرة إلى العاصمة الأردنية، عمان، للمشاركة في أعمال المنتدى العالمي للتواصل الاجتماعي، عبر محاضرة عقول رقمية واسرار خفية عن الذكاء الاصطناعي والفرص الاستثمارية المصاحبة والمفترضة والممكنة ، لم يكن الحدث مجرد فرصة للقاء الخبراء وتبادل الأفكار، بل نافذة على بلد ينبض بالحياة ويزخر بالفرص ، ما أثار إعجابي ليس فقط التنظيم المتقن والحفاوة التي استقبل بها الحضور، بل تلك الطاقة الفريدة التي تجمع بين الأصالة والتطلع إلى المستقبل. من الحوارات العميقة التي شهدتها الجلسات إلى اللقاءات الجانبية مع رواد الأعمال والمبتكرين، كان واضحاً أن الأردن يتحرك بخطى واثقة نحو بناء مستقبل يليق بموقعه كجسر يربط الشرق بالغرب.
الأردن، هذا البلد الذي يزهو بتاريخه العريق ومواقعه الطبيعية الساحرة، يقدم اليوم نموذجاً للتنمية المستدامة والاستثمار الواعي ، تشير الإحصائيات إلى أن السياحة تمثل 13% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن، حيث زار المملكة أكثر من 4.5 مليون سائح عام 2023، وهو رقم يعكس تعافي القطاع السياحي بعد جائحة كورونا، وفقاً لبيانات وزارة السياحة الأردنية. لكن ما يميز السياحة الأردنية اليوم ليس فقط البتراء، إحدى عجائب الدنيا السبع، أو البحر الميت، أخفض بقعة على سطح الأرض، بل الاستراتيجية الجديدة التي تبنتها الحكومة لدعم السياحة المستدامة حيث تم إطلاق مبادرات مثل برنامج الأردن الأخضر الذي يهدف إلى تحسين البنية التحتية السياحية مع الحفاظ على البيئة، حيث خُصصت ميزانية قدرها 20 مليون دولار لدعم المشروعات السياحية الصديقة للبيئة.
إلى جانب السياحة، يبرز الأردن كمركز إقليمي للابتكار في التكنولوجيا وريادة الأعمال ، شخصيا اعتقد انه يمكن ان تمثل العاصمة عمان وادي السيليكون في الشرق الأوسط، حيث استقطبت الشركات الناشئة الأردنية استثمارات تجاوزت قيمتها 190 مليون دولار عام 2023، بزيادة قدرها 25% عن العام السابق، وفقاً لتقرير صادر عن (ماجنيت) وهذه الأرقام لم تأتِ من فراغ ، فالحكومة الأردنية تعمل على خلق بيئة مواتية للشركات الناشئة من خلال مبادرات مثل الصندوق الوطني لدعم الابتكار ، الذي يوفر تمويلاً ميسراً للشركات التقنية ، كما شهدت المملكة إطلاق أول منطقة حرة تقنية ، وهي منطقة الملك حسين لتكنولوجيا المعلومات ، التي تسعى إلى جذب كبرى الشركات العالمية من خلال الإعفاءات الضريبية والحوافز الاستثمارية.
الابتكار في الأردن لا يقتصر على التكنولوجيا فحسب، بل يمتد إلى استراتيجيات التسويق للسياحة والاستثمار ، أذهلني أثناء جولاتي ان امكانية برمجة عروض ترويجي باستخدم تقنية الواقع الافتراضي ليأخذ المشاهدين في جولة حية عبر مواقع مثل وادي رم وجبال عجلون ومثل هذه الأفكار تعكس فهماً عميقاً لدور التكنولوجيا في الترويج للسياحة. وقد أثمرت هذه الجهود، حيث ارتفعت نسبة حجوزات السياحة البيئية بنسبة 40% في عام 2023، وفقاً لتقارير هيئة تنشيط السياحة الأردنية.
أما على صعيد الاستثمار، فقد نجح الأردن في جذب أنظار المستثمرين من جميع أنحاء العالم. في عام 2023 وحده، شهدت البلاد استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 2.3 مليار دولار، مع التركيز على قطاعات الطاقة المتجددة، المياه، والتكنولوجيا. يبرز مشروع الناقل الوطني للمياه ، الذي تبلغ تكلفته 3 مليارات دولار، كأحد المشاريع الكبرى التي تهدف إلى تحقيق أمن مائي دائم للأردن باستخدام تقنيات تحلية المياه المتقدمة. هذا المشروع لا يساهم فقط في حل أزمة المياه المزمنة، بل يمثل فرصة استثمارية واعدة للشركات الدولية.
إحدى الجوانب اللافتة للنظر هي دور الأردن كقوة دبلوماسية إقليمية تساهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي. من خلال شراكاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، نجح الأردن في الحصول على دعم بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية والتطوير الاقتصادي. هذه الجهود تعزز مكانته كبوابة آمنة للاستثمار في منطقة تعاني من اضطرابات جيوسياسية.
الزخم الذي رأيته في الأردن لا يعكس فقط ما يتحقق اليوم، بل الطموحات الكبيرة التي يحملها هذا البلد للمستقبل. من الواضح أن الأردن يمزج بذكاء بين موقعه الاستراتيجي وتاريخه العريق ورؤيته المستقبلية ليصبح مركزاً للإبداع والتنمية. إنها تجربة ألهمتني ودفعتني للتفكير في الإمكانات الهائلة التي يمكن أن تتحقق عندما تتلاقى الرؤية مع العزيمة..
ختاما اعتقد أن الشباب الأردني يقود مسيرة التطوير والابتكار، ويدعم الاقتصاد الرقمي، ويبدع في ريادة الأعمال، ويساهم بفعالية في تعزيز السياحة المستدامة ، الشباب الأردني يمثل المحرك الاقتصادي الأهم، حيث يسهم بمهاراته الإبداعية وروحه الريادية في تحويل التحديات إلى فرص، مما يعزز استدامة الاقتصاد الوطني ويدفع عجلة التنمية نحو آفاق أكثر طموحاً.