الأردن: الحكومة تتمسك بالغاز الإسرائيلي رغم الانتقادات
أعلنت الحكومة الأردنية تمسكها بتنفيذ اتفاقية الغاز مع إسرائيل، رغم الانتقادات البرلمانية والشعبية للتطبيع الاقتصادي في هذا التوقيت، بسبب حرب الاحتلال الإجرامية على قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، يرى مختصون أردنيون أن بلادهم بإمكانها الخروج من المشكلة نهائيا بالاعتماد على المصادر المحلية والوسائل المتاحة لتأمين احتياجات البلاد من الغاز، ويأتي ذلك في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة الأردنية عدة سيناريوهات للتحوط إزاء أي انقطاعات محتملة للغاز الذي تستورده من إسرائيل من خلال أنبوب تم مده بين عمّان والكيان المحتل قبل عدة سنوات.
وتتمسك الحكومة باتفاقية الغاز رغم أن مجلس النواب الأردني بدأ منذ أسبوعين بمراجعة الاتفاقيات الموقعة بين الأردن والكيان الإسرائيلي كخطوة أولى على طريق إمكانية إلغائها، ردا على الحرب البشعة التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة، وراح ضحيتها أكثر من 15 ألف شهيد، وجرحى بما يتجاوز 40 ألفا، بالإضافة إلى آلاف المفقودين الذين ما زالوا تحت الركام.
رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة قال في تصريحات صحافية مؤخرا، إن اتفاقية الغاز ليست على طاولة الإلغاء، ونحن شأننا شأن أي دولة تحترم نفسها وتحترم التزاماتها التعاقدية، وإنها (الاتفاقية) تمت بين شركة نوبل الأميركية وشركة الكهرباء الوطنية الأردنية.
وأضاف أنه عندما تحدثنا عن اتفاقية الغاز كان لدينا بعض المخاوف من انقطاع الغاز من قبل حقل ليفياثان باتجاه الأردن، ولم نر بوادر بأن هذا الأمر سيحصل، ولكن مثل أي دولة تخطط لأي سيناريوهات لا سيما ونحن في أتون حرب على غزة.
وقال لقد استطلعنا قدرا من البدائل، ولكن يترتب عليها كلف مالية أعلى تصل إلى 45 مليون دينار شهريا في حال الانتقال إلى الغاز المسال، وإلى 115 مليون دينار في حال الانتقال إلى الديزل (الدينار = 1.41 دولار).
وأضاف: “نحن نهيئ لمثل هذه السيناريوهات، ولكن لا نرى أمامنا أي معطيات لانقطاع الغاز، ونحن نعمل في إطار التخطيط للبدائل الضرورية لسيرورة انتظام الحياة في بلدنا”.
وقال: تم الحديث مع دولتين شقيقتين في الخليج العربي، وأبدتا الاستعداد لتلبية احتياجاتنا من هذه الكميات في حال توقف هذا الغاز، فنحن نعمل على إيجاد البدائل لتشغيل الطاقة الكهربائية في الأردن، ونحن اليوم لدينا احتياطي يكفي لـ 65 يوما.
وكانت شركة الكهرباء الوطنية المملوكة للحكومة الأردنية قد وقعت اتفاقية مع شركة نوبل انيرجي الأميركية صاحبة الامتياز في حقول غاز محتلة من قبل إسرائيل، وذلك لتوريد الغاز للأردن لمدة 15 عاما وبقيمة مقدرة بحوالى 15 مليار دولار.
وصوت مجلس النواب الأردني مرتين على إلغاء الاتفاقية، لكن ذلك بحسب نصوص دستورية لم يكن ملزما للحكومة كون الاتفاق بين شركتين وليس أطرافا حكومية. وشهدت البلاد مسيرات وفعاليات رافضة لشراء الغاز من الاحتلال، لكن الحكومة بررت ذلك بحاجة الأردن لتعزيز مصادر التزود بالطاقة وتخفيض الكلف.
عضو مجلس النواب الأردني والمختص في قطاع الطاقة موسى هنطش، قال لـ”العربي الجديد” إن الحكومة تستطيع إلغاء اتفاقية الغاز، وإن هنالك العديد من الخيارات التي يمكن أن توفر احتياجات الأردن من الغاز وبكلف معقولة، ومن ذلك استغلال ميناء الغاز في العقبة الميناء الوحيد للأردن، وباخرة الغاز العائمة المستأجرة حتى العام 2025.
وأضاف عضو مجلس النواب الأردني أنه لا بد من تسريع إجراءات زيادة استكشافات حقول الغاز في المناطق الشرقية من الأردن سيما في آبار حمزة والريشة، وهنالك مؤشرات مؤكدة على رفع الطاقة الإنتاجية للآبار القائمة وحفر أخرى جديدة.
وبين هنطش أن شركة كويتية حكومية يفترض أنها بدأت بحفر آبار للغاز جديدة في الأردن وبكلفة تبلغ 35 مليون دينار، وشركات خليجية أخرى ستقوم بمهام مماثلة في مواقع واعدة في الأردن قريبا.
وقال إنه يمكن أيضا ولو مؤقتا الحصول على احتياجات الأردن من الغاز من السعودية، وتحديدا من الآبار المحاذية للحدود الأردنية، والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية 350 مليون متر مكعب.
وبين أن الإبقاء على الاتفاق يعرض أمن الطاقة في الأردن للخطر، ويجعل البلاد رهينة لتصرفات الاحتلال الذي قد يقدم على إيقاف الغاز فجأة.
وأشار البرلماني الأردني إلى الاستطاعة الكبيرة لمصادر الطاقة المتجددة في بلاده، والتي يمكن أن تساهم بفاعلية في تعزيز أمن التزود بالطاقة والاستغناء عن الغاز من الكيان المحتل.
وعقب عدوان الاحتلال على القطاع منذ نحو شهرين تزايدت تحركات النقابات المهنية ولجان مقاومة التطبيع في الأردن لتوسيع نطاق حملات مقاطعة السلع الإسرائيلية، لتطاول شركات ومؤسسات داعمة لإسرائيل وتتعامل معها، بحيث لا تقتصر “القوائم السوداء” على شركات محلية وإنما إقليمية وعالمية.
ويرى مراقبون أنه رغم توقيع الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1994، إلا أن تطبيع العلاقات بين الجانبين بقي في الإطار الرسمي، ولم ينعكس على التجارة والاستثمار وغيرها إلا في حدود ضيقة، حيث يرفض الشارع الأردني إقامة علاقات طبيعية مع الاحتلال.
وكانت غرف الصناعة والتجارة في الأردن والنقابات المهنية أعلنت سابقاً عن إجراءات بحق من يقيم علاقات اقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال، ومن ذلك اعتماد قائمة سوداء للمطبعين ونشر أسمائهم وعدم التعامل معهم.
ووفقا لبيانات التجارة الخارجية التي تصدر عن دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، فإن حجم التبادل التجاري بين الأردن والكيان المحتل لا يتجاوز 130 مليون دولار سنوياً.
وفي إطار ملف الغاز، قال وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة، إن المخزون الاستراتيجي من الغاز في منطقة الماضونة الواقعة شرق العاصمة عمان يلبي حاجة الأردن لغاية 20 يوما، ومع مخزون السفينة والقطاع الخاص الموجود سيكفي لمدة 60 يوما.
وأكد خلال لقائه لجنة الطاقة في مجلس النواب إن الأردن يبحث الحلول الممكنة، في حال توقف توريد الغاز من إسرائيل، في الوقت الذي قال فيه إنه تم التوسع في تنوع مصادر الطاقة في الأردن.
وقال إن الأردن يستورد الغاز من إسرائيل بأقل من سعر السوق بنسبة 50% بموجب الاتفاقية، حيث يعتمد على 300 مليون متر مكعب من الغاز بموجب الاتفاقية.
حجم التبادل التجاري بين الأردن والكيان المحتل لا يتجاوز 130 مليون دولار سنوياً
وأشار إلى أنه في حال انقطاع الغاز من إسرائيل لا يستطيع الأردن الاستيراد من مصر، لأنها تعتمد على تلبية حاجاتها من الخارج ولا تمتلك فائضا.
وقال إن عقد سفينة الغاز العائمة في العقبة ينتهي منتصف عام 2025، وهناك توجهات لبناء منشأة حكومية والابتعاد عن الاستئجار، حيث هناك عروض ستكون خلال الأيام المقبلة، وستتم دراستها فيما بعد والمضي في إنشائها لضمان الانتهاء من الاستئجار.
ولم يتوقف الأمر على حملات المقاطعة التجارية ودراسة بدائل لغاز الاحتلال، بل امتد إلى قطاع المياه، إذ أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عقب العدوان، أن بلاده لن توقع اتفاق المياه مقابل الطاقة الذي يجرى العمل على تنفيذه بشراكة ثلاثية بين الإمارات والأردن وإسرائيل، وذلك ردا على الحرب المستمرة بحق قطاع غزة والتنكيل بالمدنيين ومقدرات الشعب الفلسطيني.
وعام 2021، وقع الأردن والإمارات وإسرائيل “إعلان نوايا” للدخول في عملية تفاوضية لبحث جدوى مشروع مشترك لمقايضة الطاقة بالمياه. ولم ينجح الأردن طوال عقود مضت في إيجاد حلول طويلة الأمد لأزمة شح المياه في مختلف المحافظات، في وقت تُصنف فيه البلاد وفق المؤشر العالميّ للمياه على أنها ثاني أفقر دولة بالمياه في العالم.