اقتصاد اليمن يغرق في معركة البحر الأحمر… والأزمات الإنسانية تتفاقم
أثرت أزمة البحر الأحمر، التي بدأت بشن جماعة أنصار الله “الحوثيين” هجماتها على السفن الإسرائيلية والتابعة للدول الداعمة للحرب على غزة في البحر الأحمر وخليج عدن، سلباً على الاقتصاد اليمني، ما انعكس بدوره على الوضع المعيشي للمواطنين.
وساهمت هذه الهجمات في تصنيف اليمن باعتباره منطقة عالية المخاطر، ما ضاعف من تكاليف الشحن إلى البلاد، كما تسببت في زيادة تكلفة التأمين على الشحن إلى ميناء عدن بمعدل 15 ضعفاً بالمقارنة مع تكلفة التأمين العادية.
مخاطر عالية في البحر الأحمر
كما أدت هذه الهجمات إلى زيادة أقساط التأمين على السفن مع اتساع نطاقها، ما يعني اتساع نطاق المنطقة المصنفة باعتبارها ذات مخاطر عالية، وهو الأمر الذي انعكس سلباً على الاقتصاد اليمني الذي تكبد خسائر فادحة.
وانعكس التأثير السلبي لهجمات الحوثيين أيضا على شركات الشحن الدولية التي اضطرت لعبور طريق التفافي حول قارة أفريقيا وعبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما يضاعف من تكاليف الشحن عدة أضعاف، حيث أثرت هجمات الحوثيين على 12% من التجارة العالمية التي تمر عبر مضيق باب المندب.
الاقتصاد اليمني كان أبرز المتضررين من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث انخفضت الواردات إلى الموانئ اليمنية بنسبة 40%، ما ساهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود.
كما شهدت العملة الوطنية انهياراً غير مسبوق في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، حيث تجاوز سقف 1850 ريالا مقابل الدولار، فيما شهد سعر الصرف في مناطق الحوثيين استقرارا يصفه الخبراء الاقتصاديون بأنه سعر صرف وهمي، حيث شهدت مناطق الحوثيين ارتفاعاً في أسعار السلع والمواد الغذائية والمشتقات النفطية يفوق بقيمته الارتفاع في الأسعار بمناطق الحكومة الشرعية، كما تعاني مناطق الحوثيين من انهيار القيمة الشرائية للريال، والتضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية.
ويأتي ذلك في إطار تصاعد صراع الحوثيين مع أميركا وبريطانيا، إذ قالت جماعة أنصار الله، أول من أمس، إن أميركا وبريطانيا قامت بشن خمس غارات على مديرية الصليف في محافظة الحديدة غربي اليمن.
أسوأ مرحلة
ويعيش الاقتصاد اليمني أسوأ مراحله نتيجة الحرب التي تشهدها البلاد منذ مارس 2015 في ظل توقف تصدير النفط وتهاوي سعر صرف العملة الوطنية، وتوقف المساعدات الإغاثية في مناطق سيطرة الحوثيين ذات الكثافة السكانية العالية.
وفاقمت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن من الأزمة الإنسانية في البلاد، حيث تفيد التقارير بأنّه في العام 2023، كان حوالي 21.6 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية و17 مليون شخص في حالة انعدام في الأمن الغذائي.
وتعليقا على تلك التأثيرات الخطيرة، قال الخبير الاقتصادي اليمني عبد الله شمسان لـ”العربي الجديد” إنه “لا توجد تقديرات أولية عن خسارة الاقتصاد اليمني – المباشرة – الناتجة عن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وبشكل عام، فالهجمات في البحر الأحمر أثرت على سلاسل الإمداد العالمي، وهذا واضح جداً من خلال تحول مسار الملاحة البحرية إلى رأس الرجاء الصالح، ومن ثم إلى أميركا وأوروبا وغيرها والعكس”.
وتابع: “وهذا أضاف كلفة إضافية، لأنه بدل أن كانت تصل الشحنة عبر البحر الأحمر إلى أوروبا خلال يوم أو يومين، تأخذ الآن أسبوعين، والأمر الآخر أن تكاليف التأمين ارتفعت تحديداً للملاحة في البحر الأحمر، وهذا انعكس على أسعار السلع التي تحملها هذه السفن، فالتأمين ارتفع بحدود ثلاثة إلى أربعة أضعاف والبعض يقول تسعة أضعاف، باعتبار أن منطقة البحر الأحمر باتت منطقة حرب”.
قفزة بأسعار السلع والخدمات
وأضاف الخبير الاقتصادي أنه بالنسبة للاقتصاد اليمني، فهو يتأثر من حيث أسعار السلع الأساسية والخدمات التي لها علاقة بالملاحة البحرية، ولم تؤثر الهجمات بشكل مباشر على أسعار الصرف، لأن آلية سعر الصرف لا علاقة لها بهذا الأمر بشكل مباشر، لكن هجمات البحر الأحمر أثرت بالتأكيد على قطاعات النقل البحري وتكاليف النقل، وبالتأكيد على أسعار السلع المستوردة”.
وأكد شمسان أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أثرت كثيراً على بعض الاقتصادات في المنطقة، فتأثرت موانئ جدة والعقبة والسودان، ولكن المتضرر الأكبر كان مصر، لأن إيرادات قناة السويس انخفضت بأكثر من 60%، وهذا أوجد مشكلة في تدفق النقد الأجنبي إلى الاقتصاد المصري بسبب تغير مسار حاملات الحاويات من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، فالاقتصاد المصري هو أكثر الاقتصادات المتضررة، بينما الاقتصاد الإسرائيلي لم يتضرر بشكل كبير لأن معظم علاقاته التجارية مع أوروبا وأميركا، وهناك جزء يأتي من الصين ولكن ليس بالحجم الكبير”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الهجمات في البحر الأحمر أثرت عالمياً على مستوى الأسعار حتى في أميركا وأوروبا، وساهمت إلى حد ما في عدم تراجع معدل التضخم لأنه كان يؤمل أن يتراجع معدل التضخم خلال الأشهر الماضية، وبسبب هذه الأزمة، ظل معدل التضخم مرتفعاً في أميركا وأوروبا”.
خسائر اقتصاد اليمن
أما رئيس مركز الإعلام الاقتصادي في اليمن مصطفى نصر فقال، لـ”العربي الجديد”، إنه لا توجد أرقام دقيقة عن خسائر الاقتصاد اليمني نتيجة الهجمات في البحر الأحمر، وإنما هناك مؤشرات تتحدث عن ارتفاع في كلفة الشحن من الموانئ العالمية إلى اليمن تجاوزت 100%، وهذا أثر بصورة مباشرة على أسعار السلع، وكذلك تأخر وصول هذه الحاويات والبضائع وبواخر الشحن إلى اليمن، وأيضا كلفة التأمين التي زادت بشكل كبير جداً، وبالتالي أثرت على أسعار السلع القادمة إلى اليمن”.
وأضاف نصر: “كما هو معروف”، فاليمن يستورد معظم احتياجاته من الخارج، سواء كانت احتياجات سلع نهائية أو مدخلات الإنتاج، وهذه دفع فاتورتها المواطن اليمني وتأثر بصورة مباشرة من هذه الأحداث، ناهيك عن أن المصدرين اليمنيين، سواء مصدري الأسماك أو المواد الأخرى، تضرروا بصورة كبيرة من هذه الهجمات”.
الصحافي المتخصص بالشؤون الاقتصادية وفيق صالح قال لـ”العربي الجديد” إن أزمة البحر الأحمر واضطراب حركة الشحن البحري والتجارة الدولية عبر باب المندب تؤدي إلى مزيد من الإشكاليات في سلاسل الإمداد إلى اليمن وإلى الموانئ المشاطئة للبحر الأحمر، وإلى جانب تعقد تدفق السلع والشحن عبر هذه المنطقة، فإن هذا يدفع بالعديد من شركات الشحن البحري إلى العزوف عن المرور من هذه المنطقة، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن البحري، الذي بدوره يعمل على ارتفاع تكلفة النقل إلى السوق اليمنية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية محلياً، خصوصاً أن اليمن يعتمد على آلية الاستيراد بنسبة أكثر من 90% لتوفير احتياجاته من المواد الغذائية والسلع”.
وأكد صالح أن ارتفاع تكاليف الشحن البحري يعمل على زيادة تكلفة فاتورة الاستيراد إلى اليمن، وزيادة العجز في الميزان التجاري للدولة، وهو ما يضاعف الطلب على العملة الأجنبية في السوق المحلية من قبل التجار والمستوردين، في ظل شحة النقد الأجنبي مع غياب المصادر المستدامة للدولة، وبالتالي هذا الأمر يؤدي إلى تدهور قيمة العملة اليمنية”.
وتقول جماعة أنصار الله “الحوثيين” إنها تشن هجمات ضد السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن رداً على الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، حيث تربط إيقاف هجماتها في البحر الأحمر بإيقاف العدوان على غزة.