افتتاحية اليوم: لا رقابة ولا من يحزنون

ما كُشف أخيراً عن استخدام زيوتٍ مغشوشةٍ في مطاعم لبنانية، وتفشّي الحشرات والصراصير داخل بعض المطابخ، أعاد إلى الواجهة سؤالاً مقلقاً: هل يكفي إقفال المطعم المخالف، أم أن المطلوب تفعيل لجنة الرقابة الصحية ومحاسبة المخالفين جزائياً حتى حدود السجن؟
فقد توافرت لوزارة الاقتصاد وبعض البلديات في الآونة الأخيرة معلوماتٌ تفيد بأنّ عدداً من المطاعم، خصوصاً في بيروت وضواحيها، يلجأ إلى خلط الزيوت النباتية الرخيصة بزيوت القلي المستعملة مراراً، بغية تخفيض الكلفة. هذه الممارسات لا تشكّل فقط غشّاً تجارياً، بل تهديداً مباشراً لصحة المواطنين، إذ تؤدي الزيوت المحروقة أو المغشوشة إلى أمراضٍ مزمنةٍ في الكبد والجهاز الهضمي، ناهيك عن مخاطر السرطان الناتجة عن تراكم المواد المؤكسدة. وما رأيناه على شاشة إحدى المحطات التلفزيونية الأسبوع الفائت يُقشعرّ له الأبدان ويبعث على الاشمئزاز.
ليست الزيوت وحدها عنوان الأزمة، فمشاهد الصراصير والزواحف الصغيرة داخل مطاعم يُفترض أنها “راقية” وفي مناطق تُوصف بـ“الفخمة”، تُعبّر عن انهيارٍ شاملٍ في سلسلة الرقابة الصحية. فالإهمال في التنظيف، وغياب الفحوص الدورية، وتراجع عدد المفتشين الصحيين، كلّها عوامل جعلت سلامة الغذاء في لبنان رهينة ضمير صاحب المطعم، لا سلطة الدولة.
وفي هذا السياق، تتجه بعض البلديات إلى إقفال المطاعم المخالفة لبضعة أيام بعد ضبطها، كإجراء “ردعي” مؤقت. لكنّ هذا الإقفال لا يكفي، فالقانون اللبناني ينصّ على عقوباتٍ جزائيةٍ وغراماتٍ تطاول كلّ من يثبت غشّه في المواد الغذائية. وهذا يعني أن من يقدّم زيتاً مغشوشاً أو يعرّض الزبائن للخطر يرتكب جريمةً موصوفة، لا مخالفةً بسيطة.
وعلى الرغم من وجود لجنةٍ رسميةٍ لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، إلا أنّ فعاليتها تبقى محدودةً جداً بسبب ضعف التمويل، وقلّة الكوادر، وغياب التنسيق مع وزارة الصحة والبلديات. المطلوب اليوم إعادة تفعيل هذه اللجنة بصلاحياتٍ رقابيةٍ وقضائيةٍ واضحة، وتوحيد قاعدة بياناتٍ للمخالفين، بما يسمح بإدخال المرتكبين في قائمةٍ سوداء تُمنع بموجبها مؤسساتهم من مزاولة النشاط مجدداً.
فاللبناني اليوم يدفع ثمن الفوضى مرّتين: مرّةً من جيبه، ومرّةً من صحته. لذلك، لا يكفي إقفال مطعمٍ هنا أو هناك. المعالجة الحقيقية تبدأ من إرادةٍ سياسيةٍ تضع المستهلك في مركز الحماية، مروراً بتفعيل لجان الرقابة وتحديث القوانين، وصولاً إلى فرض عقوباتٍ رادعةٍ تصل إلى السجن. عندها فقط يمكن القول إنّ لبنان لا يزال يحترم لقمة عيش مواطنيه… وصحتهم.



