افتتاحية اليوم: فلتان أمني.. ودولة غائبة

تتحوّل أخبار السرقات والجرائم اليومية في لبنان إلى مشهدٍ عاديٍّ مألوفٍ في نشرات الأخبار وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، في ظلّ تفاقم الفلتان الأمني، وغياب المعالجات الجدّية من قبل الدولة. فمن عمليات السطو المسلّح في وضح النهار، إلى سرقة سيارات ومنازل ومحالّ تجارية، يواجه اللبنانيون حالةً من انعدام الأمان المتزايد، في بلدٍ لم يعُد يملك سوى القليل من مقوّمات الدولة.
من بيروت إلى البقاع، ومن الجنوب إلى الشمال، تنتشر أخبار الجرائم كالنار في الهشيم: سرقة دراجات نارية، نشلٌ على الطرقات، اقتحام منازل، وسلبٌ بقوة السلاح. ولعلّ اللافت أنّ معظم هذه الجرائم يتمّ توثيقها عبر الكاميرات، إلا أنّ مرتكبيها غالبًا ما يظلون مجهولي الهوية أو طلقاء.
وفي أحدث تقارير قوى الأمن الداخلي، سُجّلت مئات حالات السرقة شهريًا، إضافةً إلى ارتفاع نسبة الجرائم المنظّمة، وقد يكون العدد الفعلي للسرقات أعلى بكثير، لأنّ كثيرين من الضحايا لا يتقدّمون بشكاوى نتيجة فقدان الثقة بالقضاء.
لا يمكن فصل الفلتان الأمني عن الانهيار الاقتصادي العميق الذي يضرب لبنان منذ العام 2019. فمع تفشّي البطالة، وارتفاع نسب الفقر إلى أكثر من 60% بحسب تقارير أُممية، أصبحت الجريمة خيارًا اضطراريًا للبعض، وفرصةً للبعض الآخر، فيما الأجهزة الأمنية اللبنانية، ورغم محاولاتها المستمرّة، تعاني من نقصٍ فادحٍ في التمويل، وتراجعٍ في القدرات اللوجستية، فضلًا عن التأثير السياسي والطائفي الذي يعرقل أداءها.
وما يزيد الطين بلّة، هو انتشار السلاح غير الشرعي في يد مجموعاتٍ وأفراد، ما يجعل كلّ خلافٍ قابلًا للتطوّر إلى جريمة. فخلال الأشهر الماضية، وقعت عشرات حوادث إطلاق النار نتيجة إشكالاتٍ فردية، أودت بحياة أبرياء، من بينهم أطفال ومارّة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ النتيجة الطبيعية لهذا الفلتان هي انعدام الثقة بين المواطنين والدولة. فالكثيرون باتوا يفضّلون “العدالة الذاتية” أو اللجوء إلى قوى الأمر الواقع لحماية أنفسهم، ما يكرّس ثقافة اللا دولة، ويُعمّق الهوّة بين الناس ومؤسّسات الدولة كافة.