أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: عين واشنطن على الانتخابات

بغضّ النظر عمّا يحيط بالاستحقاق النيابي المقبل من خلافات داخلية، فإنّ الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة تبدو، في نظر واشنطن، أكثر من مجرد استحقاق ديمقراطي داخلي. فبالنسبة إلى الإدارة الأميركية، تُختصر المعركة الانتخابية بعنوانٍ واحد: تحجيم حزب الله عبر صناديق الاقتراع، بعدما فشلت الحرب عليه وسياسات العقوبات والضغوط الاقتصادية في عزله أو إضعاف نفوذه داخل لبنان بالكامل.

منذ أشهر، تُكثّف الولايات المتحدة اتصالاتها مع القوى السياسية اللبنانية المناوئة لحزب الله، وتحثّها باتجاه توحيد صفوفها في مواجهة ما تعتبره واشنطن “الهيمنة السياسية والعسكرية” للحزب على مفاصل القرار في لبنان.

في المقابل، يقرأ حزب الله هذه التحركات كجزء من “حرب ناعمة” جديدة، تستخدم واشنطن فيها أدوات الديمقراطية نفسها لتغيير موازين القوى، بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها عبر التصعيد العسكري أو الاقتصادي.

من الناحية العملية، يدرك الأميركيون أنّ تغيير موازين القوى داخل البرلمان اللبناني لن يكون سهلاً، لكنّهم يعتبرون أنّ أيّ تراجع في حجم الكتلة النيابية الداعمة للحزب سيُترجم سياسياً بتقليص قدرته على التأثير في تشكيل الحكومات وفي السياسات العامة، خصوصاً في الملفات الإقليمية الحسّاسة، كالموقف من الترسيم الحدودي مع إسرائيل، والمفاوضات المباشرة معها.

إلّا أنّ الرهان الأميركي يصطدم بواقعٍ لبنانيّ معقّد، إضافةً إلى أنّ الحزب ما يزال يتمتّع بآلة تنظيمية وانتخابية راسخة في بيئته، يصعب اختراقها حتى بأكبر الحملات الدعائية أو الوعود الدولية بالدعم.

وفي هذا السياق، يبدو أنّ واشنطن تخوض مقامرة سياسية في لبنان. فهي تراهن على استثمارٍ ديمقراطيّ غير مضمون النتائج في بلدٍ هشّ سياسياً واقتصادياً. فإذا جاءت النتائج دون المتوقع، قد تجد نفسها أمام مشهدٍ يُعزّز سردية الحزب بأنّه “ينتصر سياسياً رغم الحصار”، ما يزيد من شعبيته داخل بيئته وفي محور المقاومة الأوسع. أمّا في حال تحقق المكسب الأميركي ولو جزئياً، فسيُترجم ذلك بتعزيز أوراق واشنطن في المفاوضات الإقليمية المقبلة.

كلّ ذلك يعني، ببساطة، أنّ الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان لم تعد مجرّد منافسةٍ على مقاعد برلمانية، بل غدت جزءاً من صراعٍ إقليميّ ـ دوليّ مفتوح، ستستخدم فيه واشنطن أدوات الديمقراطية كوسيلة ضغطٍ لتغيير الواقع السياسي، بحيث ينقلب المشهد لصالح مصالحها في المنطقة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى