أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: طهران وواشنطن من المفاجآت إلى الإنهاك المدروس

في خطوة مفصلية قد تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط لعقود قادمة، شنّت الولايات المتحدة ضربة عسكرية استهدفت منشآت نووية إيرانية، وفتحت بذلك أبواباً كثيرة على المجهول. ليست هذه مجرد غارة جوية، بل إعلان ضمني عن مرحلة جديدة عنوانها “الردع بالنار”، في لحظة يغيب فيها منطق الحوار وتحضر فيها لغة المتفجرات.

القيادة الإيرانية تجد نفسها اليوم أمام خيارين، كلاهما ثقيل الوطأة: إما الرد الفوري الذي قد يشعل المنطقة، أو الدخول في مرحلة انكفاء تكتيكي مؤقت بانتظار ظروف دولية وإقليمية أكثر ملاءمة. ومع أن التاريخ الإيراني الحديث يوحي بأن طهران تجيد استخدام عامل الوقت، إلا أن التصريحات المتواترة من مراكز القرار الإعلامي والسياسي القريبة من الحرس الثوري تشير إلى أن “الرد قد لا يتأخر”، خصوصاً أن مصداقية تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول “فتح باب للسلام” أصبحت لا يصدقها أحد، فـ”واشنطن لا تعرض سلاماً، بل تفاوض بصواريخ موجّهة”.

لكن ما حدث لا يخص طهران وحدها، فللضربة الأميركية أبعاد جيوسياسية تتجاوز حدود إيران، وتمتد إلى الصراع الأميركي–الصيني المتصاعد في المنطقة.

الصين، التي تعتمد بنسبة تقارب الـ90% على النفط الإيراني في تلبية احتياجاتها من الخام في آسيا الوسطى، تجد نفسها في موقع المتضرّر الاستراتيجي من تراجع قدرة طهران على تصدير الطاقة بعد الضربة.

وفي هذا السياق، يبدو أن الضربة لا تستهدف فقط المنشآت النووية، بل تستهدف أيضاً الشراكات التي تعيد تشكيل موازين القوة في العالم، ما يجعل من الصراع الأميركي–الإيراني بوابة لحرب باردة جديدة، ولكن هذه المرة بلهيب الشرق الأوسط.

من خلال مراقبة أعداد الصواريخ التي تطلقها إيران يومياً، نجد أنها تعتمد استراتيجية “الاقتصاد في استخدام الصواريخ” خلال الأشهر الماضية، كدليل على أن الجمهورية الإسلامية تستعد لحرب استنزاف طويلة الأمد، وليس لرد سريع واستعراضي. هي تريد “أن تُنهك لا أن تُفاجئ” أميركا وإسرائيل.

فمن الواضح أن الأيام القادمة قد تحمل الإجابة، ولكن ما هو أكيد أن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة، حيث لا أحد يستطيع التنبؤ بالنهاية، لأن اللعبة خرجت من أيدي اللاعبين التقليديين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى