افتتاحية اليوم: سماء الجنوب المثقوبة

في كل مساء، حين تهدأ حركة السيارات في القرى الحدودية الجنوبية، وتبدأ النوافذ تُغلق على ضوء المصابيح الخافتة، يُخيّم صوت آخر على الأجواء: طنينٌ متواصل، كأن السماء نفسها تُصفّر بإلحاح، إنه طنين “الدرون” الإسرائيلية، الزائر اليومي الذي بات جزءًا من يوميات الجنوبيين.
ليست هذه الطائرات المسيّرة مجرد آلات رصد عابرة، بل أصبحت في نظر السكان كائنات غير مرئية تعيش فوق رؤوسهم، تراقب أنفاسهم، وتشاركهم حتى تفاصيل الحياة العادية، بدءا من صلاة الفجر إلى المغيب وما بين هذا وذاك ذهابهم الى الحقول أو فتح ما تبقى من “دكاكين” وصولا إلى الصغار الذين يلعبون في الأزقة.
الأهالي هناك باتوا يميزون بين أنواع المسيرات: الصغيرة الحجم ذات الصوت الحاد، وتلك الأكبر التي تُحدث دوّيًا منخفضًا لكنه مستمر. الغرض واضح للجميع: المراقبة. لكنها مراقبة تتخطى العسكر إلى المدنيين، بحسب رأي كثيرين، وهذا الأمر لا يقتصر على من يعيشون قرب الحدود فقط. ففي صور والنبطية وحتى صيدا، يُسجّل صوت الطائرات المسيّرة في فترات متقطعة، ويخلّف الأثر نفسه: خوف غير معلن، وريبة دائمة.
وعلى الرغم من أن الطلعات الجوية الإسرائيلية تُعدّ خرقًا واضحًا للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، فإن الشكاوى اللبنانية المتكررة إلى الأمم المتحدة لم تسفر عن نتائج ملموسة، فإسرائيل تعتمد على هذه المسيرات لجمع المعلومات، ولبثّ الرعب النفسي. إنها حرب باردة مستمرة، وأحيانًا تصبح ساخنة حين تُستهدف مناطق معينة أو تُرصد تحركات معينة.”
الحكايات اليومية بين الجنوبيين والمسيرات الإسرائيلية لا تروى فقط بالكلمات، بل تُعاش بنظرات القلق، وبآذان تتجه إلى السماء. في الجنوب، ليست الحكاية فقط عن طائرات، بل عن شعب يرفض أن يُكسر رغم الحصار الجوي الصامت.
ربما لم يعد الطنين مفاجئًا، لكنه بالتأكيد ليس عاديًا… لأنه يذكّر يومًا بعد يوم أن الجنوب، وإن كان هادئًا، إلا أنه لا يعيش في سلامٍ حقيقي.