افتتاحية اليوم: زيتون تحت الرقابة

مع حلول موسم قطاف الزيتون، يجد مزارعو عدد من القرى المحاذية للحدود الجنوبية مع اسرائيل أنفسهم أمام عوائق غير مسبوقة تمنعهم من الوصول إلى أراضيهم، حيث يفرض العدو الاسرائيلي قيوداً صارمة على تحركات الأهالي في محيط الحدود، ما يُعرقل أعمالهم الزراعية ويهدد مصدر رزقهم الوحيد.
كما ان القوات الدولية (اليونيفيل) تفرض إلى جانب الجيش اللبناني تنسيقاً أمنياً مع الجانب الإسرائيلي لتفادي أي احتكاك قد يؤدي إلى تصعيد. ويشمل هذا التنسيق تقديم أسماء العمال قبل زهابهم الى ارضهم، ومواعيد القطاف، وحتى الأدوات التي ستُستخدم، ما يُشعر الأهالي بأنهم تحت المراقبة الدائمة، وأي تحرك غير منسّق قد يُفسَّر من قبل جيش العدو على أنه “نشاط عدائي”، في ظل الأجواء القائمة بين “حزب الله” وإسرائيل.
وهذا التنسيق، وإن كان مفهوماً من زاوية أمنية، يطرح تساؤلات سيادية وحقوقية. فالمزارعون يرون فيه خرقاً لحقوقهم الأساسية في حرية التنقل والعمل على أرضهم، خصوصاً في ظل غياب أي تعويض مادي أو بدائل اقتصادية جراء الحرب الاخيرة وخسارة الكثير من المحاصيل والاشجار المثمرة.
كل ذلك يؤكد أن إسرائيل تستخدم الورقة الزراعية كوسيلة ضغط غير مباشرة على السكان، بهدف خلق واقع أمني خانق يدفعهم إما للهجرة من أراضيهم أو التخلي عن زراعتهم، وهذا النوع من القيود يدخل ضمن سياسة أشمل عنوانها: السيطرة الصامتة على الحدود، من دون الحاجة لاجتياح عسكري مباشر.
لطالما شكّلت شجرة الزيتون رمزاً للصمود في وجه الاحتلال، لكن في القرى الجنوبية وعلى وجه الخصوص الحدودية، باتت أيضاً عنواناً لمعاناة يومية يعيشها المزارعون. بين ضغوط اقتصادية خانقة، وقيود أمنية مشددة، يتحول موسم القطاف من عيد سنوي إلى كابوس إداري وأمني.
وفي وقت تغيب فيه الدولة عن دعم هؤلاء المزارعين أو توفير بدائل لهم، يُترك المواطن الجنوبي لمصيره، حاملاً سلّته في مواجهة جدار وسلاح، في معركة لا تشبه سواها.. معركة التمسك بالأرض حتى آخر حبّة زيتون.