أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: حين يُغتال الحُلم

لم يكن فجر بنت جبيل عادياً. كان على المدينة الجنوبية أن تستفيق مرة أخرى على رائحة الدماء، وأن تودّع أحلام أطفال قضوا ووالدهم داخل سيارته، لا لذنب اقترفوه، سوى أنهم لبنانيون يعيشون في جنوبٍ لم يعتد أن ينام دون صوت طائراتٍ تُهدّد ولا صواريخٍ تُمطر موتاً.
في أحدث فصول التصعيد الإسرائيلي، ارتُكبت جريمة مروّعة بحق عائلة آل شرارة، التي قضى معظم أفرادها عن طريق صاروخ أطلق من طائرة مسيرة استهدفت سيارتهم في مدينة بنت جبيل، جنوب لبنان.
الشهداء سقطوا بصمت، بعضهم أطفال بالكاد تعلّموا لفظ أسمائهم، وآخرون لم تتح لهم الحياة فرصةً ليحلموا بما هو أبعد من حدود قريتهم.

في كل عدوان، يصبح المدنيون هدفاً مباشراً. لا تفرّق الصواريخ الإسرائيلية بين مقاتل وطفل، ولا تعرف القذائف وجهاً لامرأة تحضن أبناءها في محاولة للنجاة. على مدى سنوات، كان جنوب لبنان مسرحاً مفتوحاً لهذا الموت العشوائي. لكن مجزرة عائلة “شرارة” أعادت الذاكرة الجماعية إلى صورٍ مشابهة: عائلات أُبيدت بالكامل في قانا، مروحين، عيتا الشعب، بيت ليف، مركبا، وكفركلا، وغيرها من البلدات الجنوبية.
مرة جديدة، تُنتهك المواثيق الدولية، وتُرتكب الجرائم ضد الإنسانية على مرأى من العالم. الأطفال الذين قضوا من عائلة شرارة ليسوا “أضراراً جانبية” كما تحب إسرائيل أن تُصوّر. إنهم الضحايا المباشرون لسياسة ممنهجة تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني، وتُمعن في تحويل المدنيين إلى أهداف مشروعة.
المجتمع الدولي، وعلى رأسه مؤسسات الأمم المتحدة، مطالبٌ اليوم بأكثر من بيانات تنديدٍ خجولة. فالسكوت أمام جرائم الحرب ليس حياداً، بل شراكة في الجريمة.
فالجنوب لا يُهزم… لكنه ينزف، فبنت جبيل، بصمودها وإرثها المقاوم، تعرف جيداً كيف تحوّل الحزن إلى قوّة. لكنها اليوم تنزف، تماماً كما تنزف غزّة والضفة. العدو واحد، والدم واحد، والوجع العربي واحد.
في وداع آل شرارة، كانت صرخة الأهالي واحدة: “من يُعيد الأطفال لأمهاتهم؟ من يملأ فراغ المقاعد الفارغة في المدارس؟ من يُجيب حين تنادي أمٌ على طفلها الذي صار الآن تحت التراب؟”….

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى