أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: حياة الناس “مش لعبة”

في مشهدٍ خطيرٍ يهدد صحة المجتمع وسلامة المرضى في لبنان، كُشف النقاب أمس الأوّل عن وجود أدوية مغشوشة، ومهرّبة، ومنتهية الصلاحية، إلى جانب مكملات غذائية غير خاضعة للرقابة، وحقن بوتوكس لا تفي بالمعايير الصحية في الأسواق اللبنانية.
هذه الظاهرة ليست مجرد أمر بسيط، بل جريمة تهدد الحياة، وتكشف هشاشة منظومة الرقابة الصحية، وتطرح سؤالاً جوهرياً: من المسؤول عن حماية المواطنين؟ ولماذا لا يُعاقَب من يلعب بأرواح المرضى؟

أولاً: يقع العبء الأساسي على عاتق الجهات الرقابية الرسمية المسؤولة عن مراقبة دخول وتداول الأدوية والمستحضرات الطبية. ففشل هذه المؤسسات في فرض قوانين صارمة، وتنفيذ عمليات تفتيش منتظمة، ورصد المخالفات، يفتح الباب واسعاً أمام تجار غير مسؤولين لاستغلال ثغرات السوق وتهريب منتجات غير مطابقة للمواصفات. فعندما تصبح الرقابة ضعيفة أو متهاونة، تتحول الصحة العامة إلى ساحة للمضاربات التجارية غير المشروعة.

ثانياً: يتحمل المستوردون والتجار غير الملتزمين المسؤولية المباشرة عن تداول أدوية مغشوشة أو مهرّبة أو منتهية الصلاحية، فإغراء الأرباح السريعة يدفع بعضهم إلى الالتفاف على المعايير وضخ منتجات غير آمنة في الأسواق، في حين أن ثمن هذه الكلفة لا يُقاس بالأرباح، بل بالتأثيرات الصحية الخطيرة على المرضى، التي قد تصل إلى الوفاة أو إعاقات دائمة.

ثالثاً: يلعب القطاع الطبي دوراً مهماً في هذه المعادلة، ففي بعض الحالات لا يتمكن الممارسون الصحيون من التمييز بين الأدوية الأصلية والمزيفة، أو قد يتم استدراجهم من قبل موزعين لشراء منتجات غير مصادق عليها، مما يساهم بشكل غير مباشر في استمرار المشكلة. هنا تبرز ضرورة رفع منسوب الوعي لدى العاملين في القطاع الصحي حول مخاطر هذه المنتجات وطرق التحقق من سلامتها.

من المؤكد أن عدم معاقبة المتورطين في تداول أدوية مغشوشة أو مهرّبة أو منتهية الصلاحية هو بمثابة تشجيع غير مباشر لهم. فالعقوبات الضعيفة أو التنفيذ البطيء للقوانين لا يشكل رادعاً، بل يمنح مرتكبي هذه المخالفات قدراً من الجرأة للإمعان في نشاطهم.

انطلاقاً مما تقدم، على الجهات الرسمية اتخاذ إجراءات حازمة تشمل تشديد الرقابة، تحديث القوانين، تسريع إجراءات المحاكمة، والعقوبة الصارمة بحق المخالفين، إضافة إلى حملات توعية عامة للمواطنين حول كيفية التعرف على الأدوية الأصلية والتبليغ عن المشتبه فيه. فالصحة ليست سلعة للتلاعب بها، بل حق أساسي لا يمكن التهاون فيه، ومسؤولية مشتركة تتطلب عزيمة وتصميماً لحمايتها من كل من يحاول العبث بأرواح الناس.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى