أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: الميلاد بين نار الغلاء وطبول الحرب

يحل عيد الميلاد هذا العام مثقلاً بظلال الغلاء والخوف من تجدد الحرب الاسرائيلية على لبنان، في وقتٍ تتقاطع فيه الأزمات الاقتصادية مع القلق الأمني لتعيد صياغة معنى الاحتفال وحدوده. فالمناسبة التي اعتاد الناس أن يستقبلوها بالفرح والزينة واللقاءات العائلية، باتت اليوم محاطة بحسابات دقيقة وأسئلة مؤلمة عن الأولويات والقدرة على الاستمرار.
فالغلاء لم يعد خبراً عابراً، بل واقعاً يومياً يطال تفاصيل الحياة الصغيرة قبل الكبيرة، أسعار المواد الغذائية، والهدايا، وحتى مستلزمات الزينة، ارتفعت إلى مستويات تجعل من طقوس العيد عبئاً إضافياً على ميزانيات العديد من الأسر. كثيرون اختاروا هذا العام التقشف الصامت، هدايا رمزية، موائد بسيطة، وزينة محدودة. لا لأن الفرح تراجع، بل لأن القدرة على التعبير عنه باتت مكلفة، وهنا يبرز تحوّل لافت في مفهوم العيد، من مظاهر استهلاكية إلى محاولات للحفاظ على الجوهر الإنساني للمناسبة.
في موازاة الغلاء، تلقي أجواء الحرب بظلالها الثقيلة على العيد. صور الدمار والنزوح، والأخبار المتلاحقة عن الخسائر وعدم الاستقرار، تجعل الاحتفال فعلاً ملتبساً بين الرغبة في الفرح والشعور بالذنب أو القلق. كثيرون يشعرون أن العيد هذا العام ليس مناسبة للبهجة الصاخبة، بل لحظة تأمل وصمت وتضامن. فالكنائس والساحات قد تضاء، لكن القلوب مثقلة بأسئلة عن المستقبل والأمان،
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل قدرة المجتمعات على التكيّف. ففي قلب الأزمات، يظهر ميلٌ إلى إعادة تعريف الفرح بوصفه فعلاً مقاوماً. اجتماع العائلة، تبادل التهاني، أو حتى شمعة تُضاء في نافذة، تصبح رموزاً لصمود الحياة في وجه القسوة. العيد هنا لا يُلغى، بل يتبدّل شكله ومعناه.
عيد الميلاد هذا العام يأتي أقل صخباً وأكثر عمقاً، هو عيد يحاكم واقع العالم، ويكشف هشاشته، لكنه في الوقت نفسه يذكّر بقيمة التضامن والأمل. وبين الغلاء وأجواء الحرب، يبقى السؤال مفتوحاً: كيف نحافظ على إنسانيتنا؟ ربما يكون الجواب في هذا العيد المختلف، حيث يصبح الفرح اختياراً واعياً، لا ترفاً عابرا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى