أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: المياه “مسيسة”

في بلدٍ تعوّد المواطنين فيه على أن تتسرّب السياسة إلى كل مفصل من مفاصل الحياة، لم يكن غريبًا أن يثير قرار وزارة الصحة أمس الأول بوقف استخدام مياه تنّورين، بحجة احتوائها على بكتيريا، عاصفة من الشكوك والاتهامات المتبادلة.

ففي الوقت الذي أعلنت فيه الوزارة أن نتائج الفحوصات المخبرية أثبتت وجود تلوّث بكتيري في المياه، ما دفعها إلى إصدار قرار بالتوقّف الفوري عن استعمالها حفاظًا على السلامة العامة، ريثما تنجلي الحقيقة ويتخذ الاجراء الذي يطمئن الشعب اللبناني رأى كثيرون خاصة من أبناء منطقة تنورين وجبل لبنان بشكل عام وفاعليات سياسية وبعض النواب أن القرار لا يخلو من الخلفيات السياسية، وأنه جاء خارج سياقه، دون تنسيق مع الجهات المحلية أو الاستناد إلى تقارير بيئية متكاملة.

بداية لا أحد يشكّك بأهمية الرقابة الصحية على المياه، خصوصًا في ظلّ هشاشة البنية التحتية وغياب المعايير في العديد من المناطق اللبنانية، لكن التوقيت الذي صدر فيه القرار، طرح لدى شريحة من الناس أكثر من علامة استفهام.

لقد طرحت في غضون ساعات الكثير من الأسئلة من بينها: هل كانت وزارة الصحة تسعى فعلاً إلى حماية المواطنين من مياه ملوثة؟ أم أن القرار كان خطوة مرتجلة ذات أهداف غير صحية؟ ولماذا لم تُرفَق النتائج بتقارير مفصّلة تُبيّن حجم التلوث، ومصدره، وخطورته الفعلية؟ ولماذا لم تُعتمد معايير الشفافية والتنسيق مع السلطات المحلية اي البلديات قبل إعلان القرار في الإعلام؟

فسرعان ما تحوّلت القضية إلى مادّة للسجال، فبلدية تنورين نفت علمها بأي تلوّث، وأكدت أن المياه تخضع لفحوص دورية، وجاءت نتائجها مطمئنة، لكن بعض النواب والفاعليات المحليّة ذهبوا أبعد من ذلك، ملمّحين إلى أن القرار “ليس بريئًا”، ويستهدف منطقة بعينها، في سياق التنافس السياسي الموجود.

هذا النوع من التوظيف السياسي لملف صحّي شديد الحساسية يُفقد الدولة ما تبقّى من مصداقيتها، ويُربك المواطن بين الخوف على صحته وبين الشكّ في نوايا السلطة، فإن كانت المياه ملوّثة فعلًا، فواجب الوزارة أن تُعلن ذلك مدعومًا بأدلة واضحة، وتُحدّد المسؤوليات، وتُطلق خطة طوارئ لمعالجة المصدر، وإن لم تكن كذلك، فالمطلوب اعتذار رسمي عمّا سبّبه القرار من ذعرٍ وتشويهٍ لسمعة شركة مياه يقال انها تستخرج مياهها من أنقى ينابيع لبنان.

وفي الحالتين، المطلوب فصل المياه عن مستنقع السياسة، لأن الصحّة ليست ساحة للمزايدات، ولا يجوز أن تتحوّل الجهات الرقابية إلى أدوات لتسجيل النقاط أو تصفية الحسابات.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى