افتتاحية اليوم: المساكنة.. قهرا

في بلدٍ لم يعرف الاستقرار إلا لماماً، يبدو أن المشهد السياسي في لبنان أشبه “بالمساكنة القهرية” بين أضداد لا يجمعهم مشروع وطني، بل توازن هش قائم على الخوف المتبادل، حيث يتعايش الفرقاء السياسيون وكأنهم شركاء في شقة واحدة متهالكة، أجبرتهم ظروف الانهيار الاقتصادي والسياسي على “مساكنة قسرية”، لا حباً ولا تفاهمًا، بل لعدم وجود خيار بديل.
إن مصطلح “المساكنة” يُستعمل عادة لوصف علاقة اجتماعية خارج إطار الزواج، قائمة على التعايش المرحلي، غير المستقر، وغالبًا ما تكون محاطة بالتوترات والمخاوف الانفصال.
والمفارقة أن هذا التشبيه ينطبق بحذافيره على الوضع السياسي اللبناني، فالأطراف السياسية المتصارعة تعيش تحت سقف واحد، هو الدولة، دون أن تجمعهم رؤية موحدة، أو حتى اتفاق مؤقت على “قواعد السكن”، ومثلما تُبنى المساكنة القهرية على الاضطرار لا الاختيار، فإن مختلف السياسيين في لبنان لم يعودوا يملكون ترف الانفصال أو المواجهة، لأن أي صدام جديد سيكون بمثابة “كسر الشقة” فوق رؤوس الجميع، وسط تحولات جذرية في المنطقة، وأزمة اقتصادية متصاعد.
وما يزيد تعقيد هذه “المساكنة القهرية” أن أطرافها لا تثق ببعضها البعض. فكل فريق يراهن على الوقت، أو الخارج، أو تدهور الطرف الآخر. لا أحد يبادر، ولا أحد يتنازل. فـ”حزب الله” يتمسك بسلاحه، في حين تصر قوى المعارضة على رفض ذلك دون طرح بديل توافقي فعّال، والنتيجة؟ إدارة أزمة لا حلها. انتظار لا مبادرة. مراوحة قاتلة يتقنها اللبنانيون، لكنها تزداد كلفة مع الوقت.
وككل الأزمات اللبنانية، لا تحسم المساكنة السياسية إلا بتسوية خارجية، إقليمية أو دولية، تأتي على شكل “زواج مصالح” جديد، تفرضه تطورات المنطقة أو ضغوط المجتمع الدولي. لكن، إلى أن تنضج الظروف، سيبقى لبنان غارقاً في مساكنة تفتقر إلى أبسط مقومات قيام الدولة.
واللبنانيون اليوم لا يسألون عن مشاريع إصلاحية أو نهضة اقتصادية، بل عن الحد الأدنى من الحياة. وإذا استمر الشلل على هذا النحو، فإن المساكنة السياسية قد تتحول من حالة “تأجيل للانفجار” إلى “سبب مباشر له”، خصوصاً إذا ما فشل الداخل والخارج في الوصول إلى تسوية تحفظ الحد الأدنى من التوازن.
والسؤال: هل ننتقل إلى مرحلة “زواج الضرورة”، عبر تسوية تفرض على القوى السياسية ؟ أم أن البلاد ذاهبة إلى “طلاق مدوٍّ”، يعيد خلط الأوراق على نحو كارثي؟
الجواب قد لا يكون قريباً، لكن ما هو مؤكد أن المساكنة القهرية لا يمكن أن تستمر طويلاً دون ثمن باهظ.