أبرزشؤون لبنانية

افتتاحية اليوم: “الفضيحة”

أثارت الأضواء، والأصوات العالية، والتجمعات الحاشدة داخل مغارة جعيتا جدلاً واسعاً في لبنان، بعدما تداول ناشطون مقاطع فيديو تُظهر ما وُصف بحفل زفاف داخل هذا المعلم الطبيعي الرّمزي؛ ما دفع وسائل الإعلام إلى وصفه بأنه “فضيحة” في حقّ هذا الموقع الذي يُعدّ من أبرز المعالم السياحية والطبيعية في البلاد.
هذا المشهد أثار تساؤلات لا تقلّ حدّة عن الاستنكار نفسه: من سمح؟ ولماذا؟ وهل يمكن تحويل موقع طبيعي بهذا الحجم إلى مساحة ترفيهية خاصة؟

القضية لم تعد مجرّد حادثة عابرة أو خطأ إداري، بل مسّت جوهر مفهوم “الملكية العامة” في لبنان. فالمغارة تُدار وفق عقدٍ مؤقت بين وزارة السياحة والجهات البلدية، على أن تُستخدم حصراً للأغراض السياحية والعلمية، وبموجب تراخيص محددة وشروط بيئية صارمة، وإقامة حفل خاص في داخلها، من دون ترخيص واضح أو دراسة للأثر البيئي، يعني ببساطة تجاوز القانون وتعدّيًا على الإرث الوطني.
الأخطر من هذا كله هو أنّ هذه الحادثة كشفت هشاشة الرقابة على المواقع السياحية، وغياب آليات المساءلة الفعالة. فلو لم تُنشر المقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، هل كان أحد سيتحرّك أو يعلم بما جرى؟
لم يكن الغضب الشعبي محصوراً في الخوف على البيئة فحسب، بل في الإحساس بالظلم. فكيف يُمنع الزوار العاديون من التقاط صورة تذكارية داخل المغارة بحجة الحفاظ عليها، بينما يُسمح للبعض بإقامة حفلٍ كامل؟ هذه المفارقة غذّت الشعور بأنّ القانون في لبنان يُطبّق بانتقائية، وأنّ النفوذ ما زال أقوى من الأنظمة.
تبادلت الجهات الرسمية والبلدية الاتهامات، فيما اكتفى رئيس الجكومة نواف سلام بالتذكير بالقرار المتخذ إبان ما عرف بمشكلة صخرة الروشة، وضرورة فتح تحقيق في ما خص عدم تطبيقه، فيما اكتفى بعض المعنيين بالبيانات الملتبسة، لكنّ الرأي العام ينتظر شيئاً واحداً: المحاسبة. لأنّ ما جرى في جعيتا ليس مجرد خطأ إداري، بل إساءة إلى سمعة السياحة اللبنانية، وتعدٍّ على إرث وطني مشترك.
المطلوب اليوم ليس فقط تحقيقاً، بل مراجعة شاملة لآلية إدارة المعالم الطبيعية في لبنان، ووضع ضوابط حقيقية تضمن ألا يتحوّل التراث إلى مسرح للمصالح الشخصية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى