افتتاحية اليوم: الأرق يجتاح اللبنانيين

يعيش اللبنانيون منذ أشهرٍ طويلة حالةً من الأرق الجماعي، تُرجمت بليالٍ بيضاء وساعاتِ نومٍ متقطّعة، وسط تزايد المخاوف من حربٍ إسرائيلية جديدة، وتفاقمِ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لم تهدأ منذ سنوات.
مشاهدُ القلق باتت يوميةً في بلدٍ يتأرجح بين التهديدات الأمنية والانهيار الاقتصادي، فيما يبحث المواطن عن لحظةِ استقرارٍ باتت نادرةً وشبه مستحيلة.
في هذا السياق، تؤكّد مصادرٌ طبية أن نسبة اضطرابات النوم ارتفعت بشكلٍ قياسي خلال العام الأخير، مع تسجيل ازديادٍ واضح في عدد المرضى الذين يلجأون إلى الأطباء النفسيين أو إلى الأدوية المنوِّمة. والصيدلياتُ بدورها تشهد حركةً ناشطة وغير مسبوقة على أصناف المهدئات والعقاقير المنظِّمة للنوم، في مؤشرٍ إضافي إلى حجم الضغط النفسي الذي يعيشه المواطن. ويشير أحد الصيادلة لموقع “رأي سياسي” إلى أن الطلب ازداد بشكلٍ لافت منذ بداية العام الماضي، ليبلغ ذروته خلال الأشهر الأخيرة مع تصاعد التوتر المستمر بين لبنان وإسرائيل.
وتتنوع أسبابُ الأرق بين المخاوف الأمنية، والضائقةِ الاقتصادية التي تطال معظم الأسر. فالمواطن العالق بين تدهور قدرته الشرائية، وارتفاعِ كلفة الخدمات الأساسية، وبين مشاهدِ التصعيد العسكري، يجد نفسه أسيرًا لدوّامةٍ من الأفكار السوداء التي تحاصره عند أولى ساعات الليل. ويعترف البعض بأن مجرد متابعة نشرات الأخبار كفيلٌ بقلبِ المزاج وبعثرةِ شعورهم بالأمان، ما يدفع كثيرين إلى تجاوز ساعات النوم الطبيعية.
من الناحية النفسية، يحذّر متخصصون من أن هذا النمط من الأرق المزمن قد يتحوّل إلى مشكلةٍ صحية خطيرة إذا لم تُعالج في الوقت المناسب، إذ يرتبط بتراجع الإنتاجية، وازديادِ معدلات الاكتئاب والقلق، وحتى المشاكل القلبية. ويشدّد الخبراء على ضرورة الحدِّ من الاستهلاك العشوائي للمهدئات التي قد تؤدي إلى الإدمان أو الاعتماد النفسي، داعين إلى اعتماد بدائل أكثر أمانًا مثل العلاج السلوكي، وتخفيفِ التعرّض للأخبار المثيرة، وتنظيمِ عادات النوم.
في المقابل، لا يُخفي اللبنانيون شعورهم بالعجز أمام واقعٍ يزداد قسوة. فبين الترقّب الأمني والتدهور المعيشي، تتّسع رقعةُ التوتر اليومية، ما يجعل الأرق انعكاسًا طبيعيًا لمجتمعٍ يعيش تحت وطأة الأزمات. ومع غياب الحلول السياسية الشاملة، يبقى الخوف سيّد الموقف، ويظلّ الليل مساحةً مفتوحة لقلقٍ ثقيلٍ يتسلّل إلى كل منزل.




