افتتاحية اليوم: احتيال عابر للحدود

يشهد لبنان في هذه الأيام تصاعداً لافتاً في موجة عمليات النصب والاحتيال المالي التي تنفذ عبر اتصالات هاتفية مصدرها أرقام خارجية، تستهدف المواطنين بأساليب متطورة تتراوح بين التحويلات الوهمية والوعود بالجوائز والمساعدات المالية، وبين التهديدات والابتزاز باسم مؤسسات رسمية أو مصرفية. هذه الظاهرة التي تتسلل من وراء الشاشات والهواتف، تعكس وجهاً جديداً للأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها اللبنانيون، وتفضح هشاشة الحماية الرقمية.
تبدأ القصة غالباً باتصال من رقم دولي، يتحدث صاحبه بلهجة لبنانية أو عربية فصيحة، مدعياً انه طبيب أو انه ينتمي إلى مصرف أو شركة توصيل أو حتى منظمة إغاثية. يُطلب من الضحية تزويد المتصل بمعلومات شخصية أو رقم حساب مصرفي، أو النقر على رابط يُرسل عبر تطبيقات المراسلة، ليُصار بعدها إلى سحب مبالغ مالية أو السيطرة على الحساب الإلكتروني.
في حالات أخرى، تُستخدم الحيلة العاطفية أو الإنسانية حيث يتم اتصال من شخص يزعم حاجته لمساعدة عاجلة، أو من “قريب” مزعوم يعيش في الخارج ويريد إرسال حوالة مالية. ومع انعدام الثقة العامة وضعف الوعي الرقمي، يقع كثيرون في الفخ.
وتأتي هذه الموجة في ظل نوع من التراخي غير المقصود في الرقابة التقنية أو التنسيق بين الأجهزة المختصة وشركات الاتصالات، ما يسمح للمحتالين باستغلال الثغرات التنظيمية بسهولة. فمعظم الأرقام المستخدمة تُسجّل في بلدان أجنبية، وتُدار عبر تطبيقات اتصال مشفّرة، يصعب تتبعها أو ملاحقتها قضائياً.
وفي حين تعمل بعض الجهات الأمنية على رصد هذه الشبكات، إلا أنّ ضعف الإمكانات التقنية وتعدد قنوات الاتصال يجعل من “الاحتيال الرقمي” جريمة عابرة للحدود، تتفوّق على القدرات التقليدية للردع والمحاسبة.
واللافت أنّ هذا النمط من الاحتيال يجد بيئة خصبة في بلد يرزح تحت ضغط اقتصادي خانق، حيث يبحث المواطن عن أي فرصة لتحسين وضعه المالي. وهنا يستغلّ المحتالون التوتر النفسي والضائقة المعيشية، فيقدّمون عروضاً مغرية بربح سريع أو مساعدة فورية، لتتحوّل الحاجة إلى مدخل للخداع.
لا شك أنّ تصاعد عمليات النصب عبر الهواتف الخارجية ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو إنذار مبكر لانكشاف لبنان أمام الجريمة الإلكترونية المنظمة.




