افتتاحية اليوم: أزمة عطش واستغلال

تشهد بيروت وضواحيها أزمة مياه حادة تتفاقم يومًا بعد يوم، وسط صمت رسمي وعجز واضح في التعامل مع واحدة من أكثر الأزمات إلحاحًا في حياة المواطنين. فقد أصبحت المياه، التي هي من أبسط حقوق الإنسان، سلعة باهظة الثمن لا يقدر كثيرون على تحمل كلفتها، ما وضع آلاف العائلات في مواجهة مع واقع معيشي خطير، عنوانه العطش الدائم والاستغلال المكشوف.
منذ أسابيع، بدأت المياه تنقطع عن أحياء بكاملها، في بيروت وضواحيها، وشكا المواطنون من انقطاع يستمر أحيانًا لأكثر من عشرة أيام متتالية، ما يضطرهم للاعتماد الكامل على صهاريج المياه الخاصة، التي سرعان ما استغلت الواقع ورفعت أسعارها بشكل غير مسبوق. فسعر صهريج المياه المتوسط الحجم بات يتجاوز الـ50 دولارًا، مقارنة بـ20 أو 25 دولارًا قبل أشهر قليلة.
وفيما يرزح الناس تحت وطأة هذه الفواتير اليومية، تغيب الدولة وتغيب معها أي خطة طوارئ أو تحرك ملموس. الأسباب، بحسب مصادر في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، تتراوح بين انقطاع التغذية الكهربائية، وندرة مادة المازوت اللازمة لتشغيل المضخات والآبار، إلى جانب غياب الصيانة الدورية وتعطل البنية التحتية شبه المهترئة. وتؤكد هذه المصادر أن الوضع التشغيلي بلغ مرحلة حرجة، حيث بات من المستحيل ضخ المياه بالوتيرة المطلوبة، لا في المدينة ولا في الضواحي.
غير أن الأرقام وحدها لا تختصر المأساة. في المناطق الشعبية، بدأت المشاكل اليومية تتكاثر، من خلافات الجيران حول تقاسم المياه، إلى استخدام مياه غير مضمونة المصدر في الشرب والغسيل والطهو. ووفق تحذيرات صدرت مؤخرًا عن وزارة الصحة، فإن بعض الصهاريج تبيع مياهًا لا تخضع لأي فحوص صحية أو رقابة، ما يعرّض آلاف العائلات لمخاطر صحية جسيمة، خصوصًا الأطفال وكبار السن.
ورغم النداءات المتكررة، لم يظهر حتى الآن أي مؤشر على تحرك جدي من قبل الجهات المعنية. كل ما يخرج إلى العلن لا يتعدى الوعود الكلامية، فيما تتبخر الحلول الحقيقية وسط ضجيج التصريحات والمزايدات. المواطن، في النهاية، يُترك وحيدًا في مواجهة العطش، يدفع من جيبه ومن صحته ومن راحته، في معركة بقاء تتكرر يومًا بعد يوم.