رأي

اغتيال المشهداني يقرع الجرس: «التسقيط الانتخابي»… بالقتل أيضاً؟

كتب فقار فاضل, في الاخبار:

يفضح اغتيال صفاء المشهداني تحوّل التنافس الانتخابي في العراق إلى صراع دموي يُدار بالسلاح، كاشفاً عمق الأزمة الأمنية والسياسية قبيل الانتخابات.

مع اغتيال عضو مجلس محافظة بغداد، المرشّح للانتخابات التشريعية المقبلة صفاء المشهداني، في تفجير استهدف سيارته، فجر أول من أمس، في قضاء الطارمية شمال العاصمة، دخل المشهد الانتخابي العراقي مرحلةً جديدة من التوتر الأمني والسياسي، أعادت إلى الأذهان سنوات الاغتيالات السياسية التي لطالما رافقت الاستحقاقات الانتخابية في هذا البلد. فالحادثة التي وقعت قبل أقلّ من شهر على موعد الانتخابات المُقرّرة في الـ11 من تشرين الثاني المقبل، أثارت موجة واسعة من الغضب والاستنكار، وأعادت طرح أسئلة قديمة – جديدة حول مستقبل العملية الديمقراطية، في ظلّ تمدّد السلاح المنفلت، واحتدام المنافسة داخل البيوت السياسية، السنية والشيعية على السواء.

ووفقاً لبيان قيادة عمليات بغداد، فإن عبوة ناسفة أُلصقت أسفل سيارة المشهداني، وانفجرت أثناء عودته من اجتماع في بغداد، ما أدّى إلى مقتله وإصابة أربعة من مرافقيه. لكنّ الحادثة لم تمرّ بهدوء؛ إذ خرجت تظاهرات غاضبة في الطارمية تتّهم «جهات سياسية تمتلك نفوذاً أمنيّاً» بالوقوف وراء الجريمة؛ علماً أن المشهداني، المعروف بمواقفه الرافضة لوجود بعض الفصائل المسلّحة في القضاء، كان من أبرز الوجوه الصاعدة داخل «تحالف السيادة» السنّي، وقد خاض صراعات سياسية حول ملفّات الأراضي الزراعية والاستثمارات شمال بغداد، وهي مناطق تشهد تنافساً اقتصاديّاً بين قوى شيعية وسنية.

من جهتهم، يرى مراقبون أن وراء اغتيال المشهداني «رسالة سياسية» تتجاوز شخصه، إلى ما يمثّله من توجّه، فيما يربط آخرون الجريمة بالصراع على النفوذ داخل بغداد ومحيطها. وفي بيان شديد اللهجة، قال «تحالف السيادة» إن «هذه الجريمة الجبانة امتداد لنهج الإقصاء والغدر الذي تمارسه قوى السلاح المنفلت والإرهاب لإسكات الأصوات الوطنية». وأضاف أن «الشهيد المشهداني كان صاحب قضيّة وهوية واضحتَين، كافح من أجل مدينته في وجه الإرهاب والسلاح المنفلت على حدّ سواء»، محمّلاً الجهات الأمنية مسؤولية الخرق الأمني الكبير.

وفي الاتجاه نفسه، قال السياسي السنّي، عمار العزاوي، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «اغتيال المشهداني محاولة جبانة لإرهاب الصوت الوطني وإعادة العراق إلى زمن السياسة المُدارة بالدم»، مؤكداً أن «تحالف السيادة لن يقف مكتوف الأيدي، وسيتّخذ مواقف سياسية حازمة إذا لم تُكشف الجهات المتورّطة خلال فترة وجيزة».

«العنف الانتخابي في العراق لم يَعُد حدثاً طارئاً، بل أصبح جزءاً من البنية السياسية نفسها»

في المقابل، ردّت شخصيات شيعية محسوبة على «الحشد الشعبي» على تلك الاتهامات، معتبرةً أن «اتهام الفصائل الشيعية من دون أدلة، يمثّل محاولة لاستثمار دماء المشهداني انتخابيّاً». وقال القيادي شبل الزيدي إن «منفّذي الجريمة يريدون ضرب الاعتدال وتشويه صورة القوى الوطنية».

وفي خضمّ ذلك، كشف رئيس خلية الإعلام الأمني، الفريق سعد معن، في تصريح إلى «الأخبار»، عن تشكيل «فريق استخباري متخصّص من الأجهزة الأمنية والأدلة الجنائية للتحقيق في اغتيال المشهداني». وقال إن «العمل جارٍ على جمع الأدلة من مسرح الجريمة، ومقارنة تفاصيلها بمحاولة الاغتيال السابقة التي تعرّض لها الضحية»، مضيفاً أن «المشهداني سبق أن نجا من محاولة اغتيال عام 2023، وصدر حينها حكم بالإعدام ضدّ المتورّطين».

وأكّد معن أن «التحقيقات تسير في أكثر من اتّجاه، بينها تتبّع الجهة التي زرعت العبوة، والأدوات التقنية المُستخدمة»، مشيراً إلى أن «الحكومة أَطلقت عملية أمنية لتأمين مناطق شمال بغداد وتكثيف الرقابة على تحرّكات الجماعات المسلّحة». وكان وجّه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، بتشكيل لجنة تحقيق عليا وفريق جنائي خاص، مؤكداً أن «استهداف المرشّحين يشكّل تهديداً مباشراً لهيبة الدولة ومصداقية الانتخابات».

ووفقاً لمحلّلين، فإن موجة الاغتيالات والتهديدات التي تصاعدت مع اقتراب موعد الانتخابات، تعكس تحوّل المنافسة الديمقراطية إلى معركة نفوذ ميدانية تُدار خارج المؤسسات الشرعية. ويقول الباحث في الشؤون السياسية، علي الساعدي، إن «العنف الانتخابي في العراق لم يَعُد حدثاً طارئاً، بل أصبح جزءاً من البنية السياسية نفسها، إذ تُدار الانتخابات تحت ظلّ السلاح لا في ظلّه فقط».

وتتعدّد أشكال تهديد المرشّحين، من رسائل مجهولة المصدر تُرسَل عبر تطبيقات الهاتف، إلى مراقبة المنازل والمواكب الانتخابية، وصولاً إلى الاستهداف المباشر؛ إذ تشير مصادر أمنية إلى تسجيل أكثر من 40 بلاغ تهديد خلال الشهر الماضي، في بغداد والأنبار ونينوى، ما دفع عدداً من المرشّحين إلى تعليق نشاطاتهم الميدانية.

كذلك، تأتي حادثة اغتيال المشهداني في ظل تزايد عمليات «التسقيط السياسي» المتبادلة بين الكتل الكبرى، خصوصاً داخل البيوت السنية والشيعية. ففي المعسكر الشيعي، تتبادل فصائل نافذة الاتهامات بتصفية الحسابات السياسية مع اقتراب موعد الاقتراع، وسط حديث عن «قوائم تسقيط» تُدار عبر وسائل الإعلام ومنصات رقمية. وفي المقابل، يشهد المعسكر السنّي انقسامات حادّة بين تحالفَي «السيادة والعزم» و»تقدّم»، وسط تنافس على زعامة المحافظات الغربية.

وعن ذلك، يقول الباحث السياسي، عباس الهاشمي، إن «الاغتيالات السياسية كانت ولا تزال أداة ضغط تُستخدم لإعادة رسم خريطة النفوذ قبيل كل انتخابات». ويضيف الهاشمي، في حديث إلى «الأخبار»: «البيوت السياسية العراقية اليوم مأزومة داخلياً، والعنف الانتخابي بات وسيلة لتصفية الخصوم أو إسكات الأصوات التي تهدّد مراكز النفوذ الاقتصادية والسياسية».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى