اضطرابات فرنسا- ثقافة التفاهم يمكن أن تشفي الجروح.
كتبت ليزا لويس في DW.
كان مقتل “نائل م.”، الشاب الفرنسي من أصل جزائري والبالغ من العمر 17 عاما، بعد إطلاق ضابط شرطة النار عليه يوم الثلاثاء (27 يونيو / حزيران الماضي)، بمثابة الشرارة التي فجرت أعمال شغب عنيفة بين الشباب والشرطة في جميع أنحاء فرنسا. فعلى مدى أيام، تعرضت سيارات وصناديق قمامة ومبنى بلدية لحوادث إضرام نار ، فيما تسعى الحكومة بعد إخماد الحرائق في الشوارع إلى العمل على إصلاح ما جرى تدميره.
ورغم عودة الهدوء إلى المدن الفرنسية وضواحيها، إلا أن خبراء شددوا على الحاجة إلى معالجة جذور المشكلة التي أججت غضب الشباب مع الدعوة إلى إطلاق عملية إصلاح حقيقة. وفي ذلك، قال خبراء في مجال الثقافة إن العروض الثقافية قد تساهم في خلق مساحة من الراحة لتمهيد الطريق أمام حل المشكلة.
يرى عبد الوهاب الصفصاف، الفرنسي من أصول جزائرية ومدير مسرح في منطقة سارتروفيل الواقعة على بعد 10 كيلومترات شمال نانتير، إن الفرنسيين من جذور دول كانت مستعمرات فرنسية سابقة، يشعرون ببعض الضيق. وقال الصفصاف إن والديه انتقلا من حي مهمش قرب سانت إتيان في جنوب شرق فرنسا عام 1948، فيما كانت الجزائر تسعى إلى نيل استقلالها بعد أكثر من مئة عام من الاحتلال الفرنسي.
وفي مقابلة مع DW، أضاف بأنه “يتعين علينا العيش في ظل ثقب أسود يخترق تاريخنا والذي بات يثقل كاهلنا وكأنه سرا أسريا. لا يتم تدريس الجانب المظلم من الحقبة الاستعمارية في المدارس الفرنسية. وكنتيجة لذلك، لا يمكن للشباب الذين يعيشون في الضواحي المهمشة تحديد تاريخهم وهويتهم بدقة”. ويشير الصفصاف إلى أن جذور الأزمة تشمل أيضا ارتفاع معدلات البطالة والتمييز وقلة فرص التعليم.
الحقبة الاستعمارية
ويستشهد الصفصاف في ذلك بواقعة حدثت عام 2005 عقب مقتل شابين أثناء فرارهما من الشرطة في إحدى ضواحي باريس، موضحا: “رغم أن الشابين لم يكونا على دراية بذلك، إلا أنهما كانا يعانيان من صدمات مرتبطة بالماضي الاستعماري”.
وبسبب كونه مخرجا مسرحيا، فقد وجد الصفصاف في الفن وسيلة تمرد ضد الوضع القائم حيث يعمل على إخراج مسرحيات تسرد التاريخ الاستعماري الفرنسي مثل واقعة ترحيل أكثر من 200 جزائري من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية قسرا إلى كاليدونيا الجديدة بالمحيط الهادي عام 1871 بعد تمردهم ضد الحكم الاستعماري الفرنسي.
وقال “باتت هذه طريقتي لتخفيف الألم. قد يساعد هذا الشكل من المسرحيات الشباب في معالجة الصدمات المرتبطة بالحقبة الاستعمارية، وفي هذا الشأن يقول: “نحن فنانون، لذا يمكننا بالتأكيد القيام بدورنا”، مشيرا إلى أنه ينظم ورش عمل مسرحية داخل مدارس في الضواحي المهمشة بالتعاون مع ممثلين ينحدرون من هذه الضواحي.
ويؤكد أن السياسة وحدها يمكنها إحداث تغيير بشكل جذري، مضيفا بأنه “يجب على الدولة تدريس التاريخ الاستعماري بشكل كلي وليس في إطار المستعمِر والمستعمَر”. ودعا إلى ضخ المزيد من الأموال في مجال التعليم لتحقيق تكافؤ حقيقي في الفرص، قائلا: “إذا حصل أحد الشباب على دبلوم أو مستوى تعليم عالٍ، فإنه سيدرك أنه يمتلك فرصة حياة أفضل في فرنسا ويعد هذا علاجا لحالة اليأس التي تسود الكثيرين”.
بنجامين فيلمان يدعو إلى ضرورة إصلاح المنظومة التعليمية والقضاء والشرطة “لسد الشروخ في المجتمع”
الدولة المسؤولة
ويتفق في هذا الرأي بنجامين فيلمان الذي يرأس شركة مسرحية في باريس تحمل اسم ” أدوات أحديثة/ Quincaillerie Modern”. وقال فيلمان، الذي نشأ أيضا في سانت إتيان لأسرة من الطبقة العاملة، إن الدولة مسؤولة بشكل كبير على حالة الغضب بين سكان الضواحي، مضيفا: “لون بشرتي قد يكون مناسبا، لكن العديد من الأصدقاء من أصول عربية وافريقية يعانون من سيطرة وقمع الشرطة. يمكن القول أن هناك عنصرية دولة.”
وعلى غرار الصفصاف، دعا فيلمان إلى ضرورة إصلاح المنظومة التعليمية، “لكن ليس هذا وحسب، بل ويتعين أيضا إجراء إصلاحات جذرية وشاملة في القضاء والشرطة لسد الشروخ في المجتمع”. وأضاف أن المسرح قد يلعب دورا لكن شريطة أن يخضع أيضا إلى عملية إصلاح جذرية، قائلا: “ما زلنا نرى في الغالب مسرحيات كلاسيكية مثل مسرحية موليير. يجب تسليط الضوء على المشاكل المعاصرة التي تعاني منها الضواحي”.
تشكيك في الهوية، لماذا؟
من جانبه، قال الموسيقار كريستو نامبوبي إنه تعرض لتجربة مباشرة ومريرة من عمليات التفتيش التي تقوم بها الشرطة بشكل مستمر ضد الفرنسيين من أصول أفريقية. وأضاف نامبوبي، الذي عاش فترة المراهقة في الكاميرون ثم انتقل إلى باريس ويعيش حاليا في الدائرة السابعة الثرية، “ذات مرة تأخرت على لقاء مع أختي لذا اضطرت إلى الركض في الشارع في وضح النهار، لكن سيارة الشرطة طاردتني وهي تطلق صفارات الإنذار ثم أمرني ضابط بوضع يدي على غطاء المحرك ثم قام بتفتيشي، رغم أني لم أقدم على فعل أي شيء مريب”. وقال نامبوبي البالغ من العمر 59 عاما، إنه يعطي دروسا في الموسيقى في مدرسة موسيقية في منطقة سان دوني الأفقر قرب باريس.
وأشار نامبوبي إلى أنه لم يتفاجأ باندلاع الاضطرابات الأخيرةـ، قائلا إن “الجانبين لا يستمعان لبعضهما البعض، إذ أن الشرطة تفترض أن الشباب دائما يخطط أو يفعل شيئا في السر فيما لم يعد لدى الشباب الصبر على استفزازات الشرطة”. ويضيف أن الموسيقى يمكن أن تساعد في الأمر لأنها “تساعدنا على التعبير عن المشاعر وتوجيهها بشكل أفضل، بل وتمنحنا المتعة فيما يمكن أن تكون بمثابة مسكنا للألم. لكن الأمر يتطلب التدريب لكي يصبح المرء موسيقيا جيدا”.
الموسيقى شريان الحياة
ترى الشابة الفرنسية سالومي بوسوكو التي تنحدر من اسرة هاجرت إلى فرنسا من الكونغو، أن الموسيقى بمثابة شريان الحياة. وتقول بوسوكو البالغة من العمر 19 عاما، إنها نشأت مع أسرتها المؤلفة من أربع أخوات وأم في منطقة تروا الواقعة على بعد حوالي 150 كيلومترا جنوب شرق باريس.
وأضافت أنها كانت الطفلة الوحيدة ذات البشرة السمراء في المدرسة، لذا شعرت بالعزلة، مضيفة “منذ أن بلغت عامي الرابع، لم يرغب أحد في اللعب معي لأنني أبدو مختلفة عن الجميع. كنت ابقى دائما لوحدي خلال الفسحة المدرسية، لذا قررت الغناء”.
وتمكنت بوسوكو من الحصول على دروس موسيقية في المعهد الموسيقي بالمدينة.
وفي ذلك، قالت: “الموسيقى كانت ومازالت شعاع الأمل ومصدر قوتي. كل الغضب والأحزان التي لا أستطيع التعبير عنها بالكلام، أعبر عنها عن طريق الغناء والعزف على البيانو. الموسيقى طريقة للتعبير عن الغضب”.