اضطرابات الهيموغلوبين… الموروثة منها أكثر شيوعاً.
اضطرابات أو اعتلالات الهيموغلوبين هي حالات دموية نادرة تؤثر على الهيموغلوبين لدى الشخص، وهو البروتين الموجود في الدم الذي يحمل الأكسجين. وهي حالات وراثية قد تغير شكل أو كمية خلايا الدم الحمراء في الجسم.
هناك العديد من حالات اعتلال الهيموغلوبين المختلفة. وفي حين أن بعضها يمكن أن يكون شديداً ويحتاج إلى علاج، فإن البعض الآخر قد لا يسبب أي أعراض سريرية ولا يتطلب التدخل. فمثلا، الثلاسيميا بيتا المتماثلة اللواقح الكبرى (فقر الدم كولي Cooley’s Anemia) هي اضطراب دموي وراثي يؤثر على قدرة الشخص على إنتاج بروتين بيتا، مما يسبب فقر الدم، وهو أشد أشكال مرض بيتا ثلاسيميا. بينما مرض الهيموغلوبين E هو خلل شائع ولكنه بسيط ويتمتع أصحابه بصحة جيدة، ولا تظهر عليهم أي أعراض أو مشاكل.
اضطرابات الهيموغلوبين الموروثة
كان موضوع «اضطرابات الهيموغلوبين الموروثة» من المواضيع المهمة والبارزة في المؤتمر الدولي لرابطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأمراض الدم 2023، الذي عُقد في مدينة جدة في نهاية الأسبوع الماضي (26 – 28 أكتوبر «تشرين الأول» المنصرم)، وخصصت له أربع جلسات علمية، استعرض فيها المتحدثون آخر وأحدث المعالجات، وبالأخص العلاج الجيني الذي قدمه الدكتور أندريه كلوزك من ألمانيا. وقدم الدكتور محمد نشأت من السعودية خبرة المدينة المنورة في عمليات تغيير الدم، والتي تعد تجربة فريدة من نوعها حول العالم. كما استعرض الأستاذ الدكتور أحمد طراوة آخر معالجات الأنيميا المنجلية. واستعرضت الدكتورة ملينيا كيربي من كندا آخر ما توصل إليه العلم في مجال الثلاسيميا.
تعد اضطرابات الهيموغلوبين الموروثة من الأمراض الأكثر شيوعاً التي تُعزى إلى جينات معيبة. وهي تقع في مجموعتين رئيسيتين: متغيرات الهيموغلوبين الهيكلية بما في ذلك مرض الخلايا المنجلية، ومرض الثلاسيميا، والتي تنتج عن إنتاج غلوبين معيب. وقد قُدر عددُ الناقلين الذين يزيد عددهم على 270 مليوناً وأكثر من ثلاثمائة ألف طفل يولدون سنوياً مع إحدى متلازمات الثلاسيميا أو أحد متغيرات الهيموغلوبين الهيكلي. ويعكس تردد الانتشار العالي للغاية لاضطرابات الهيموغلوبين مقارنة مع غيرها من الأمراض أحادية المنشأ الانتقاء الطبيعي بوساطة المقاومة النسبية من ناقلات ضد الملاريا فالسيباروم (P).
ومن العوامل الأخرى التي يمكن أن تنطوي عليها الممارسة الواسعة انتشار زواج الأقارب، وزيادة سن الأمهات في البلدان الأفقر، وانحراف الجينات وآثارها. ولهذه الأسباب تكثر الثلاسيميا في جنوب شرقي آسيا وجنوبها، وفي الشرق الأوسط، وفي بلدان البحر الأبيض المتوسط، وفي شمال ووسط أفريقيا. ومع ذلك، ونتيجة للهجرة الجماعية للسكان من مناطق انتشار عالية، تواجه الآن الثلاسيميا في معظم البلدان. وتشمل هذه البلدان الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وأميركا الجنوبية والمملكة المتحدة وفرنسا، حيث حدثت الهجرة قبل قرن مضى، وقد دخلت الآن جماعات الأقليات العرقية الكبيرة الجيل الرابع وحتى الخامس.
وكانت حركات الهجرة الأحدث حجماً من البلدان التي يتوطن فيها المرض إلى شمال أوروبا وغربها، حيث كان انتشار اضطرابات الهيموغلوبين لدى السكان الأصليين منخفضاً جداً، بما في ذلك ألمانيا وبلجيكا وهولندا، وفي الآونة الأخيرة، الدول الاسكندنافية. وقد تحدت هذه التغييرات المهنيين الصحيين وصانعي السياسات في جميع أنحاء المنطقة في توفير الوصول المنصف إلى خدمات جيدة للوقاية والعلاج من اضطرابات الهيموغلوبين.
إن البيانات الوبائية المتاحة أساساً في البلدان المستوطنة تقلل من العبء الصحي المستقبلي الناجم عن اضطرابات الهيموغلوبين الموروثة: فالفاعلية في التصدي للسيطرة على هذه الاضطرابات في هذه البلدان تتطلب قدراً كبيراً من العمل والدعم المالي، وبالتأكيد الالتزام السياسي. وتتمثل الصعوبة الرئيسية في أن سكان هذه البلدان ليسوا متجانسين، كما هو الحال في بلدان البحر الأبيض المتوسط التي نجحت فيها برامج السيطرة المبكرة.
برامج الفحص
تتبع البرامج الرامية إلى الحد من عدد الأفراد المتضررين بشكل خطير، نهجين:
– وضع برامج للفحص السكاني، وإسداء المشورة لتثقيف السكان بشأن مخاطر إصابة الأطفال.
– فحص السكان أو الفحص في عيادات ما قبل الولادة. فمثلاً إذا كانت المرأة هي الناقل فيتم فحص الشريك، وإذا كان إيجابياً فيتم تقديم المشورة، كما يتم تقديم التشخيص قبل الولادة وإنهاء الأجنة المتضررة.
تتوفر الآن برامج تشخيص ما قبل الولادة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ما أدى إلى انخفاض كبير في المواليد المصابين بأشكال حادة من الثلاسيميا في عدة بلدان أخرى مثل الصين والهند وإيران ولبنان وباكستان وسنغافورة وتايلاند. وأياً كانت نتائج برامج الفحص فإنها تتطلب تعليماً سليماً للسكان حول طبيعة اضطرابات الهيموغلوبين الموروثة. ويتطلب هذا التعليم مدخلات من قطاعات عديدة من المجتمع، بما في ذلك وسائل الإعلام والعاملين في مجال الصحة العامة ومجتمعات المتطوعين المحلية والمجتمع الطبي.
فقر الدم المنجلي
تحدث في المؤتمر الأستاذ الدكتور أحمد طراوة، رئيس المؤتمر رئيس مجلس إدارة جمعية المدينة لأمراض الدم الوراثية الخيرية عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لأمراض واعتلالات الدم واستشاري أمرض الدم للأطفال، موضحاً أن مرض فقر الدم هو أحد الاضطرابات الوراثية في خلايا الدم الحمراء، يؤدي إلى تشوه شكلها فتصبح هلالية الشكل أو بشكل المنجل بدلاً من شكلها المدور المقعر الطبيعي، كما تتغير صفات هذه الكريات الحمراء فتصبح هشة وعرضة للتكسر بسرعة، ويصبح غشاؤها قاسياً ويفقد مرونته في العبور عبر الأوعية الدموية، ما قد يُبطئ أو يمنع تدفق الدم والأكسجين إلى أجزاء الجسم.
ينتقل المرض من الوالدين إلى الأبناء وتكون وراثته من النوع المتنحي إذا ورث صفة المرض من كلا والديه، أما إذا ورثها من أبيه أو أمه فقط فإنه يكون حاملاً للمرض وليس مصاباً به، لكنه يستطيع أن ينقله إلى أولاده. ويساهم زواج الأقارب في العائلات المصابة في زيادة نسبة الإصابة.
• التشخيص: تُشخص الأنيميا المنجلية عن طريق اختبار الدم، والكشف عن وجود هيموغلوبين (إس) المسبب للأنيميا المنجلية، وعادة ما تظهر أعراض أنيميا الخلايا المنجلية عند 4 – 6 أشهر من العمر؛ لأن الرضيع في الشهور الستة الأولى من عمره لديه كمية كافية من الخضاب الجنيني (F) الذي يحمي الكريات الحمراء من التمنجل. وتشمل هذه الأعراض:
– نوبات متكررة من الألم في أجزاء مختلفة من الجسم، والذي يكون بسبب نقص وصول الأكسجين للأعضاء مثل: آلام البطن أو المفاصل أو أحد الأطراف. ويزيد حدوث هذه النوبة مع الجفاف، نقص الأكسجين، التعرض للبرد، والجهد الشديد.
– التهابات متكررة بسبب ضعف المناعة، وتأثر وظيفة الطحال وأكثر هذه الالتهابات شيوعاً هي التهاب الرئة، والتهاب العظم والنقي، والتهاب السحايا.
– خمول وإعياء وقد يحدث في بعض الحالات فقر دم شديد نحتاج عندها إلى نقل الدم.
– تضخم الكبد والطحال، ويؤدي ضعف وظيفة الكبد إلى اصفرار العين، وقد تحدث حصيات المرارة والتهابها.
– تقرحات القدم ومشاكل في شبكية العين وانتصاب القضيب المؤلم ومشاكل الكلية والسكتة الدماغية.
• الوقاية: ومن أبرز طرق الوقاية من فقر الدم المنجلي عند الأطفال ما يلي:
– الابتعاد عن زواج الأقارب في العائلات المصابة.
– فحص الرضيع مبكراً في حال معرفة الأهل بحملهم للمرض.
– أخذ اللقاحات الروتينية، وكذلك اللقاحات الموسمية سنويّاً كلقاح الإنفلونزا.
– إعطاء السوائل بكميات كافية.
– عدم التعرض للبرد وتدفئة المريض جيداً خاصة في أشهر الشتاء.
– التغذية الجيدة المتوازنة.
– المكملات الغذائية مثل حمض الفوليك.
• العلاج: يكون بتناول:
– مسكنات الألم، مثل الباراسيتامول، والمورفين تستخدم خلال النوبات.
– دواء هيدروكسي يوريا (Hydroxyurea) حيث يعمل على منع حدوث النوبات المؤلمة، ويحث على تركيب الخضاب الجنيني(F).
– هناك أدوية جديدة قد تساعد مع علاج هيدروكسي يوريا مثل دواء فوكسيلتور ودواء غلوتامين وجميع هذه الأدوية تصرف تحت إشراف طبي.
– المعالجة الوقائية بالمضادات الحيوية للحد من العدوى البكتيرية في الأطفال.
– وتعد زراعة النخاع العظمي من متبرع سليم هي العلاج الشافي الوحيد بإذن الله حتى الآن، ونسبة الشفاء عالية، وتجرى دراسات عديدة حول العلاج الجيني.
صحة الأسنان وأمراض الدم
ترأست الأستاذة الدكتورة عبير عبد اللطيف النمنكاني، بروفسورة مشاركة واستشارية طب أسنان الأطفال جامعة طيبة بالمدينة المنورة، جلسةً علميةً خاصة بطب أسنان الأطفال وعلاقته بأمراض الدم. وقدمت محاضرة عن علاج الأطفال المصابين بالهيموفيليا والذين يخضعون لإعادة تأهيل الفم والأسنان بالكامل تحت التخدير العام.
ومن أبرز ما ورد في المحاضرة هو أن أكثر العوامل الوراثية انتشاراً في أمراض الدم هي تشوهات عامل التخثر، وتحدث بنسبة 95 – 97 في المائة بسبب الهيموفيليا (أ) أو (ب) أو مرض فون ويلبراند. تحدث الهيموفيليا – أ بنسبة 1 لكل 300 ألف مولود ذكر، وهي أكثر الأنواع شيوعاً حيث تكون الأم حاملة لجين المرض.
يكون مرضى الهيموفيليا أكثر عرضة من غيرهم من المرضى لإهمال صحة الأسنان، مما يؤدي لزيادة تسوس الأسنان والالتهابات المصاحبة لها. ويجب أن يكون التخدير الموضعي محدوداً قدر الإمكان. أما المرضى الذين يحتاجون إلى قلع أسنان لبنية متعددة أو دائمة، فمن الأفضل أن يتم إدخالهم إلى المستشفى قبل وبعد كل عملية جراحية يقررها طبيب أمراض الدم.
إن قرار إدخال المريض إلى المستشفى أو إجراء عمليات قلع في العيادة الخارجية، يعتمد على عدد الأسنان في مواقع النزيف المتوقعة. وخلال علاج الأسنان تحت التخدير العام نتبع إجراءات علاجية ووقائية تهدف إلى منع أو الحد من نزيف الدم باستخدام الغرز الموضعية ومواد السيطرة على النزيف.
وبصفة عامة، فإن علاج مشاكل الأسنان أفضل من خلعها لمرضى الهيموفيليا.
لا يحتاج طبيب الأسنان إلى التأثير على مستوى وجودة علاج الأسنان؛ لأن المريض مصاب بالهيموفيليا؛ لأن سوء علاج الأسنان لا يمنع حدوث مضاعفات، وإنما فقط يؤخرها.
حالات وراثية قد تغير شكل أو كمية خلايا الدم الحمراء في الجسم
مرض اللوكيميا
اللوكيميا (أو ابيضاض الدم) مرض سرطاني خبيث، يصيب الأنسجة المصنعة لكريات الدم (النخاع العظمي والجهاز اللمفاوي)، بحيث يصنع النخاع الشوكي خلايا مشوهة وغير ناضجة، حيث تتراكم هذه الخلايا الخبيثة في النخاع العظمي وتمنع الخلايا السليمة من النضوج التي يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه الطبيعية.
هنالك عدة عوامل تزيد احتمالية الإصابة باللوكيميا منها التشوهات الكروموسومية، والإصابة بمتلازمات قد تزيد احتمالية الإصابة، وهنالك عوامل خارجية أخرى؛ كالتعرض للإشعاعات النووية والمواد المشعة، التعرض للكيماويات والبتروكيماويات (مثل البنزين).
• أنواع اللوكيميا. وتشمل:
– سرطان الدم النخاعي الحاد (AML).
– سرطان الدم النخاعي المزمن (CML).
– سرطان الدم اللمفاوي الحاد (ALL).
– سرطان الدم اللمفاوي المزمن (CLL).
– أنواع أخرى أقل في الانتشار مثل سرطان الدم مشعر الخلايا، سرطان الدم الليمفاوي التائي الخلايا، سرطان الدم الليمفاوي الحبيبي الكبير، سرطان الدم في الخلايا التائية لدى البالغين وأنواع أخرى.
أكثر الأنواع انتشاراً هي سرطان الدم النخاعي الحاد ( AML) لدى الكبار، ويعد سرطان الدم اللمفاوي الحاد (ALL) أكثر نوع قد يصيب الأطفال.
• الأعراض. قد تختلف من شخص لآخر، وفيما يلي أهمها:
– فقدان الوزن السريع، ضعف الشهية المفاجئ، التقيؤ، الصداع، التعرق الليلي، الحرارة، آلم العظام، آلم المفاصل.
– تضخم الكبد والطحال، تضخم الغدد اللمفاوية، وتضخم الغدة الزعترية الذي قد يؤدي إلى انسداد مجرى الهواء.
– الحرارة، الالتهابات المتكررة، التهابات الصدر، تعفن الدم.
– الإجهاد والتعب، ضيق النفس، شحوب اللون بسبب نقص كريات الدم الحمراء.
– ظهور كدمات على الجسم، نزيف الأنف واللثة بسبب نقص الصفائح الدموية.
• التشخيص: يتم تشخيص اللوكيميا بعد ظهور الأعراض الإكلينيكية عن طريق:
• الفحص السريري: حيث يقوم الطبيب المختص بفحص دقيق يشمل الغدد اللمفاوية وتضخم الكبد والطحال.
• أخذ عينات من الدم ومسحة دم؛ لفحص شكل الخلايا تحت المجهر.
• أخد عينة من النخاع الشوكي (السائل الشوكي) التي يتم فحصها مخبرياً؛ للكشف عن خلايا سرطانية.
• العلاج: يقيّم الطبيب المختص في الأورام وأمراض الدم الحالة، ويقرر نوع العلاج ومدته على حسب تقدم مرحلة المرض ويتراوح العلاج بين:
– العلاج الكيميائي.
– العلاج الإشعاعي.
– زراعة النخاع العظمي من متبرع سليم.
• الوقاية: تجنب التعرض للإشعاعات والكيميائيات والإصابة بالفيروسات؛ لتقليل خطورة الإصابة بسرطانات الدم والأنسجة الدموية.
• استشاري طب المجتمع.