استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة!
كتب صدقة يحيى فاضل, في “عكاظ” :
يتطلع حوالي بليوني نسمة، من العرب والمسلمين في العالم، وبشوق ولهفة، لتحرير واستقلال فلسطين العربية، في أقرب فرصة ممكنة، بعد رزوحها تحت وطأة أسوأ، وأفظع، احتلال استيطاني عدواني، في التاريخ الحديث، ولحوالي ثمانية عقود (1948إلى الآن) تعرَّض خلالها الشعب الفلسطيني لشتى صنوف القتل والتدمير، والتنكيل، والتعذيب، والاعتقال، والنهب، والإبادة الجماعية المتواصلة، على يد العصابات الصهيونية الإجرامية، المستقدمة من مختلف أرجاء الأرض؛ التي تعمل لنشر الشرور، في العالم، لحسابها، وحساب أسيادها، وداعميها المستعمرين الغربيين، وضد شعوب وأمم العالم، وخاصة العالمين العربي والإسلامي، الذي يتخذ هذا التحالف الصهيوني الاستعماري ضده أبشع السياسات، وأشنعها تربصًا وتدميرًا.
وبالطبع، فإن أكثر من يعارض هذه النهاية شبه السعيدة، تحرير فلسطين، أو تحرير جزء منها، وتواجدها كدولة مستقلة، وعضو بمنظمة الأمم المتحدة، هو التحالف الصهيوني- الاستعماري (أمريكا- إسرائيل) كيف لا، وهو استعمار توسعي طامع، لا يهدف للاستئثار بفلسطين، وحسب، بل يسعى سعياً محموماً لتكوين (إمبراطورية) شر (من النيل للفرات) على أنقاض الحقوق العربية المشروعة. ومما يدعو للتفاؤل الحذر بفشل هذا المشروع الإجرامي، هو أن الغالبية العظمى من شعوب وحكومات العالم تدعم الآن الحق الفلسطيني والعربي، وترفض هذا العدوان المبيت، خاصة بعد رد الفعل العالمي لما يحدث لغزة من حملة إبادة جماعية ممنهجة.
والحديث عن استقلال أي دولة، وخاصة فلسطين، ذو شجون، وشؤون، وله عدة أبعاد، وتداعيات. ويمكن أن نعود بالقارئ 37 عاماً للماضي. فيوم 15 نوفمبر 1988م، ومن العاصمة الجزائرية (الجزائر)، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) في جلسة استثنائية في المنفى للمجلس الوطني الفلسطيني، استقلال دولة فلسطين.. وفور صدور هذا الإعلان، تم الاعتراف بفلسطين من قبل أكثر من 80 دولة.
وقبل ذلك، يوم 22 نوفمبر 1974م، صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، برقم 3236، بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة في فلسطين. كما اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ومنحها مركز (مراقب) في الأمم المتحدة. وفي فبراير 1989م، أعلن ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، اعتراف 94 دولة بفلسطين. وظلت إسرائيل، وداعموها: دول أمريكا الشمالية، دول الاتحاد الأوروبي، أستراليا، وغيرها، ترفض الاعتراف بفلسطين، ولكنها تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي لفلسطين. ويقول الرافضون -محاباة لإسرائيل- إن إقامة الدولة الفلسطينية لا يمكن تحقيقها، إلا عبر اتفاق مباشر بين إسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية (السلطة الفلسطينية).
ويوم 29 نوفمبر 2012م، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اقتراحًا يغير وضع فلسطين إلى (دولة مراقبة)، غير عضو. وتم ذلك بتصويت 138 دولة، واعتراض تسع دول، مع امتناع 41 دولة عن التصويت. فحتى الآن، تعترف 138 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (وعددها 193 دولة) ودولتان غير عضوين، بدولة فلسطين؛ أي أن حوالي 72% من دول العالم مع إقامة دولة فلسطينية مستقلة (حل الدولتين).
ومؤخراً، في شهر أبريل 2024م، جدد مندوب فلسطين طلب بلاده استئناف إجراءات قبول فلسطين عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، وليس مراقباً وحسب. إذ تقدم لمجلس الأمن بهذا الطلب، فحول ذلك المجلس الطلب إلى اللجنة الخاصة بفحص طلبات العضوية، في جلسات مغلقة، تمهيداً لإبداء رأيها لمجلس الأمن الدولي، الذي ينظر في الطلب، ويصدر موقفه منه. ولكي يمر هذا الطلب، كان يحتاج إلى تصويت ما لا يقل عن تسعة من أصوات أعضاء مجلس الأمن، على أن يكون بينها تصويت الدول الخمس التي لها حق الفيتو بهذا المجلس. ثم موافقة ثلثي الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبالفعل، صوّت مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة 19/ 4/ 2024م، على الطلب الفلسطيني، فتصدت الولايات المتحدة -كعادتها- لهذا الطلب العادل، باستخدام (الفيتو)، رفضاً له. كانت نتيجة التصويت 12 عضواً لصالح الطلب، وعضوان (بريطانيا وسويسرا) ممتنعان، وصوت واحد (أمريكا) معارض! وضربت العدالة في مقتل، من جديد.
وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً، استنكرت فيه هذا السلوك الأمريكي، المعاكس لغالبية الإرادة الدولية، وفي وقت فيه فلسطين في أمسِّ الحاجة للإنصاف.
ومعروف أن العضوية في هيئة الأمم المتحدة مفتوحة لأية دولة (مستقلة).. باعتبار أن هذه المنظمة عبارة عن منظمة دولية حكومية عالمية شاملة. وكثيراً ما لا يكتمل وجود أي دولة، وتثبت شرعيتها، إلا بعضوية أهم المنظمات الدولية، الأمم المتحدة. حتى أضحى (الاعتراف الدولي) ركناً أساسياً من أركان الدولة؛ فالدولة هي عبارة عن: مجموعة كبيرة من السكان، يقيمون على إقليم معين، وتنظم أمورهم العامة حكومة، ذات سيادة. والسيادة تعني الاستقلال القانوني، وقبول الدولة عضواً بالأمم المتحدة.
وتعتبر الدول الـ50 الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، في مؤتمر سان فرانسيسكو، المنعقد سنة 1945م، أعضاء أصليين. ولكن، هناك تساوٍ في الحقوق والواجبات، بين الأعضاء الأصليين، والأعضاء المنضمين فيما بعد. وتوضح المادة الرابعة، من ميثاق الأمم المتحدة بأن أي بلد يحق له الانضمام إلى الأمم المتحدة، شريطة أن يكون كالتالي:
1ـ دولة مستقلة.
2ـ دولة محبة للسلام.. وهذا شرط معنوي، يصعب التحقق من توفره.
3ـ تقبل كل ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة.
4 ـ قادرة على الالتزام بما جاء بالميثاق.
5ـ تقبل الأمم المتحدة (وفق إجراءاتها) انضمامها إليها.
ويتقدم البلد الراغب في الانضمام إلى الأمم المتحدة بطلب انضمامه إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وبعد استيفاء كافة شروط العضوية من قبل اللجنة الخاصة بفحص طلبات الانضمام، يعرض الأمين العام ذلك الطلب على مجلس الأمن، الذي يناقشه، ثم يصوت على القبول من عدمه (تصويت على قرار موضوعي). وبعد تصويت مجلس الأمن بقبول المتقدم، يعرض الطلب على الجمعية العامة، التي لابد أن توافق على ذلك الطلب، بأغلبية ثلثي أعضائها (المادة 18 من الميثاق). وحال موافقة الجمعية العامة، يصبح البلد المتقدم بالطلب عضواً كامل العضوية بالمنظمة.
ويمكن للدولة العضو الانسحاب من الأمم المتحدة. وانسحابها، أو فصلها، أو فقدانها للاستقلال، أو زوالها، يفقدها تلقائياً تلك العضوية. ويمكن فصل أية دولة عضو من الأمم المتحدة، بتوصية من مجلس الأمن (بأغلبية تسعة أعضاء على الأقل، من بينهم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن)، وبعد موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة.