صدى المجتمع

ارتفاع معدلات الخيانة العاطفية… فما سببها؟

في ثقافتنا نشعر بالرعب والافتتان في آنٍ معاً إزاء الخيانة العاطفية. فهي من أكثر التجاوزات التي ندينها في العلاقات، وغالباً ما يعتقد أنها تدمر فرص أي زوجين بالبقاء معاً. وبالنسبة إلى السياسيين وأصحاب السلطة، قد يرغمهم كشف هذه العلاقات على تقديم استقالتهم أو يسدد ضربة قاضية إلى مسيراتهم المهنية. وقد سجلت ساعات تلو ساعات من القطع الموسيقية (ألبوم ليمونايد للمغنية بيونسي وكل أغنيات موسيقى الكونتري مثلاً) التي تركز على تبعات الخيانة. ما سبب إقدام الناس عليها؟ وهل تحصل في إطار العلاقات “التعيسة” فقط؟ وهل يمكن التعافي من بعدها؟

من النادر جداً إذن أن ترى شخصاً شهيراً يخاطر بهذه الطريقة ويتحدث بصراحة مطلقة عن العلاقات الغرامية خارج إطار الزواج وعن دوافعها (من دون أن يستخدم عبارات مبتذلة ومسطحة عن “الدروس التي تعلمتها” ويقول إنهما الآن “أقوى من أي وقت مضى” في الأقل)، لكن هذا ما فعله بالتحديد الممثل الكوميدي مارك واتسون في مقابلة أخيرة له مع صحيفة “ذي تايمز”.  

فهو لم يحاول أن يجمل سلوكه في تعليقاته على خيانته الزوجية التي استمرت ثلاث سنوات، ولم يذكر أبداً شعور الإثارة الذي يمنحك إياه التعرف على شخص جديد، ولا نشوة الاختباء والتسلل أو أي من المقولات التي تسرد بهدف إضفاء طابع رومانسي يشبه روايات ميلز أند بونز Mills & Boon-style [صنو روايات عبير] على القصة. بل هو يصور المسألة على أنها عادية للغاية، مدفوعة بعيوب عادية ومعروفة. وقال “لا يروقني أبداً أن أعترف بهذا، لكنني أردت الفوز بكل شيء – إنما وضعي كان سيئاً. وأحسست بالإهانة لأنني مضطر إلى تقبل فكرة أنني لست رجلاً [استثنائياً] مميزاً، بل مجرد شخص عادي يعاني من فشل ومشكلات عادية. وكانت العلاقة العاطفية أسلوبي في تفادي كل ذلك” (استشار واتسون وزوجته التي أنجب منها ولدين، معالجين متخصصين في العلاقات الزوجية، لكنهما انفصلا في النهاية في عام 2019).  

وتعد تجربة واتسون أكثر شيوعاً مما قد تعتقدون. أجرت يوغوف في عام 2015 دراسة تبين فيها أن بريطانياً من كل خمسة اعترفوا بخيانة الشريك في السابق، وتقاربت نسب الخيانة بين الرجال والنساء (20 في المئة مقابل 19)، وهذا يقضي على ما يبدو على الفكرة النمطية عن الزوج الخائن والزوجة التي تعاني بسببه، لكن تقدير عدد الأشخاص الذين يخونون شريكهم في العلاقات الطويلة الأمد والزيجات أمر عسير. فأي محاولة لإجراء مسح عن الخيانة تعتمد على صدق المشاركين في شأن سلوك يتطلب منهم شيئاً من الخبث [النفاق] كما الاعتراف بأمر يذمه المجتمع.  

منذ بضعة قرون، كان الزواج إجمالاً مؤسسة عملية ندخلها لأسباب اقتصادية، لكن في العالم المعاصر، حيث لدينا فرصة إقامة علاقات عاطفية بدل العلاقات العملانية، تحولت [مؤسسة الزواج] إلى رمز للحب والانسجام. في كتابها الصادر في عام 2017 بعنوان وضع الخيانة العاطفية: إعادة النظر في الخيانة، قالت المعالجة النفسية أيستر بيريل إن “الخيانة اليوم ليست انتهاكاً للثقة فحسب، بل تحطيم لطموح الحب الرومانسي الكبير”. وتصبح الخيانة أكثر تدميراً إذاً لأنها تناقض كل آرائنا في شأن الرومانسية.  

تختلف أسباب الخيانة بين الأزواج. وتقول شانتال غوتييه، الحاصلة على شهادة في علم الجنس ومعالجة الأزواج إن “بعض الأشخاص يحبون الإثارة والمطاردة، بينما قد يسعى غيرهم للخيانة بسبب بحثهم عن شيء لا يحصلون عليه في العلاقة” وتضيف أن “الخيانة قد تشكل إشارة على وجود حاجات غير ملباة، سواء على الصعيد الجنسي أو العاطفي. ولهذا قد تعد إنذاراً للزوجين بأن ’الحال السابق’ ما عاد نافعاً كلياً، أقله ليس بالنسبة إلى أحد الزوجين”.

والجدير بالذكر أن علي روس وهو طبيب نفسي والناطق باسم المجلس البريطاني للعلاج النفسي عمل مع أزواج وأفراد عانوا أذى الخيانة. وغالباً ما تظهر بشكل متكرر خلال جلساته ثلاثة دوافع للخيانة. يقول إن أول واحد هو “أن أحدهما لا يرغب بعلاقة أحادية، لكنه لم يدرك ذلك بنفسه”. وقد يعود السبب إلى عدم رؤيته أية أنماط علاقات تختلف عن القالب الأحادي التقليدي، أو إلى عدم شعوره بالقدرة على مصارحة الشريك في شأن رغبته بشيء مختلف.  

والدافع الثاني هو عندما يعاني أحد الطرفين صعوبة في أن يعري هشاشته أمام الآخر – وفي هذه الحالات يشرح روس بأن الخيانة تكون وسيلة “للحفاظ على مسافة” مع الطرف الآخر، بشكل يشبه تدمير الذات تقريباً. ويقول “إحدى سبل تدمير تلك الحميمية والهشاشة هي إقامة علاقة غرامية (خارج إطار الثنائي نفسه). قد يكمن السبب في أن العلاقة تسير بشكل جيد، وعليهم تخريبها لأنهم لا يتحملون الشعور بمحبة الآخرين لهم واعتنائهم بهم ولا الشعور بضعفهم الشخصي”.

ليست هذه الأفكار أول ما يتبادر إلى ذهن الخائن في ذلك الوقت [لحظة الخيانة]، بالطبع، كما يقول. وتوافقه الرأي مدربة التغييرات الحياتية والكاتبة نور هيبرت. وتلفت إلى أنه “من المهم جداً أن ندرك وجود كثير من العوامل النفسية غير الواعية التي تدفع الناس إلى الخيانة”. والسيدة هيبرت متزوجة الآن، لكن خلال فترة مراهقتها وأوائل العشرينيات من عمرها “قبل أن أتعرف بزوجي، كنت أخون في العلاقات – حتى عندما أحب شريكي جداً. أفهم الآن بأن السبب هو عدم إيماني، على مستوى اللاوعي، بأنني أستحق الحب. لم أعتقد أنني أستحق السعادة”.

وما هو الدافع الثالث الذي يتكرر ظهوره أمام روس في غرفة العلاج؟ مشكلات التواصل. ويشرح ذلك بقوله “إجمالاً، لا تشعر بأن الطرف الآخر يراك أو يفهمك أو يقدرك أو يقيم لك وزناً. وربما تجد هذه الصلة مع شخص آخر… ربما لا تزال تهتم لأمر (الشريك) أو كنت تشعر بصلة معه في السابق، لكنك ما عدت تشعر بذلك”. أو، كما يضيف “ربما يدرك المرء أنه لم يشعر بوجود صلة معهم في الأساس” وربما العلاقة الغرامية الجديدة التي تقيمها تسلط الضوء على هذا الموضوع [الجانب من المشكلة].

وتقول المرشدة في شؤون الطلاق ومؤسسة شركة The Divorce Hive أماندا غاردينر إن من يخون “لا يتمتع أحياناً بالثقة الكافية لمواجهة التحديات الموجودة في العلاقة ومعالجتها”. وقد تكون الخيانة طريقة لإنهاء العلاقة بالقوة، أو مناورة بهدف الانفصال مع أن روس يحذر من أن هذا الأمر نادر الحدوث – وعندما يحدث، غالباً ما يحفزه الخوف من إيذاء الشخص الآخر. ويسأل “يبدو ذلك منافياً للمنطق أليس كذلك؟ إن لم ترد إيذاء شخص، فعلى الأرجح حري بك ألا تخونه، لكن عندما يشعر المرء بأنه عالق ويصعب عليه أن يحمل على عاتقه مسؤولية التواصل معه، قد يفضل البعض عدم مواجهة (مشكلاتهم) ويقيمون علاقة غرامية”. 

هل تكون الخيانة دليل خطب في العلاقة بدلاً من أن تكون سبب المشكلات؟ يبدو أن هذا ما تلمح إليه دراسة أعلن عنها باحثون في جامعة تيلبوري في هولندا العام الماضي. بعد متابعتهم أزواجاً ألماناً على مدى ثمانية أعوام، جمعوا معطيات حول ألف “حدث خيانة” (التعبير الأكاديمي للخيانة) كي يفهموا مشاعر المشاركين قبل الواقعة وبعدها. ووجدوا أن ما يسبق الخيانة عادة هو زيادة في الخلافات وتراجعاً في مدى رضا الطرفين عن العلاقة.

تتوافق هذه النتائج مع تجربة روس في عيادته. ويقول “معظم الأحيان، عندما أتعمق في الكلام مع شخص إما تعرض للخيانة أو قام بها بنفسه، يدرك وجود أشياء كثيرة كان قد تغاضى عنها سابقاً. وليست الخيانة سوى جانب يتيم من المشكلة… وقد طغى على كل الأمور الأخرى في العلاقة التي كان من المهم بالقدر نفسه، أو أهم حتى، التعامل معها”.

أحياناً، تكون هذه “الأمور الأخرى” بسيطة جداً. يقول روس إن الأزواج غالباً ما “ينجرون نحو العمل أكثر ويخسرون بعض الوقت الذي يقضونه معاً ويكفون عن الخروج في مواعيد غرامية وعن بذل جهد لـ[إرضاء] الطرف المقابل”. تؤيد هذا الرأي محامية الطلاق عائشة فارداغ، مؤسسة ورئيسة مكتب فارداغز للمحاماة. وتقول “أعتقد أن أكثر أسباب (الخيانة) شيوعاً، وربما أبسطها كذلك، هي التغيير. تدخل العلاقات مرحلة الهشاشة بعد انتهاء فترة الإثارة، التي تخلف وراءها فترة أقل تشويقاً تجف فيها الأحاديث الممتعة ويخف الجهد والمواعيد الغرامية… تخبو الشعلة فيما يظل المظهر الخارجي براقاً وجديداً”.

كما أن اللغة التي نستخدمها للتحدث عن الخيانة “مثقلة” بالأحكام القيمية كما يقول روس، فيما تلمح تسمية “الخائن” إلى ارتكابه “فعلاً مخزياً” – وهذا لا يساعد إجمالاً في محاولة فتح نقاش دقيق أكثر حول هذا السلوك. وضحايا الخيانة ليسوا بمنأى عن هذه الأحكام. وتقول فارداغ “غالباً، يخشى موكلي عار الزواج من خائن أو خائنة أكثر من تجربة الزواج بشخص كهذا”. وتلفت فارداغ إلى أنهم قد يشعرون بازدراء الآخرين لهم في حال اختاروا البقاء مع شريكهم، بغض النظر عن تفاصيل وضعهم. وقد يلومون أنفسهم حتى. تقول غاردينر “تأتيني نساء عادة ويقلن لي إنهن مسؤولات عن هذه الخيانة”، وقد يلمحن إلى أنهن “فقدن جاذبيتهن أو حتى… أن انتباههن كان مشتتاً بين (الشريك) والتزامات أخرى مثل الأطفال والعمل والآباء المسنين وغيرها من الأمور”.

ربما علينا تخطي لعبة اللوم هذه كلياً. وتعتقد فارداغ بأننا في حاجة إلى التفكير في الخيانة من زاوية أخرى – مع أنها تحذر أن “هذا لا يعني أن المتضررين من الخيانة مخطئون” [هم من ارتكب الخطأ]. ولديها تجربة خاصة في الموضوع وتعلم “كيف يمكن للخيانة أن تدمر قيمة الشخص الذاتية”، لكنها تؤمن مع ذلك بأننا “نملك الفرصة الآن، لوجودنا في بلد وزمن يسمح للنساء كما الرجال بالزواج والطلاق بحسب شروطهم/ ن، بأن نتخلص من هذه الافتراضات التي عفا عليها الزمن ونقرر مشاعرنا الخاصة تجاه الشراكة الأحادية. من المهم كذلك أن نتذكر مدى صعوبة استدامة الزواج في وقتنا هذا. قد يصل عمر الفرد إلى 100 عام الآن إن كان محظوظاً”. وهي ترى أن هذه فترة طويلة كي يبقى الإنسان منسجماً تماماً مع شخص آخر “وأن يظل المرء على وفاق مع شخص آخر في جميع مراحل حياته”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى