احتفال في المتحف الوطني ببيروت لمناسبة “لوسيا” السويدي
أقامت سفيرة السويد الدكتورة آن ديسمور احتفالا في المتحف الوطني، لمناسبة الاحتفال التقليدي ب “لوسيا” السويدي، بالتعاون مع وزارة الثقافة، في حضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، مديرة المراسم في وزارة الخارجية السفيرة عبير علي ممثلة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، سفراء الولايات المتحدة الاميركية، سويسرا، ايطاليا، بريطانيا، الارجنتين، بلجيكا، كندا، اسبانيا، سلوفاكيا، سري لانكا، تركيا، المانيا، اليونان، الاردن، الوزيرين السابقين كرم كرم ومي شدياق، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كلودين عون روكز، قنصل فنلندا ظافر الشاوي، نقيب الاطباء الدكتور شرف أبو شرف وفاعليات.
واستهل الاحتفال بجولة على أرجاء المتحف، ثم تحدثت السفيرة ديسمور وقالت:”أرحب بكم في احتفال لوسيا السويدي التقليدي، في هذا المكان الرائع متحف بيروت الوطني، وأود أن أعرب عن خالص تقديري لوزير الثقافة على السماح لنا بالتواجد هنا الليلة، ونأمل أن يكون العديد منكم قد شارك في الجولات المصحوبة بمرشدين واستمتعوا بالمجموعة الغنية للمتحف”.
واشارت الى ان “هناك تقليدا في السويد يمتد لأكثر من 250 عاما، عندما كانت ليلة 13 ديسمبر الطويلة المظلمة تعتبر خطيرة مع الأرواح المظلمة، وعندما أصبحت الحيوانات ممسوسة وقادرة على الكلام. ملكة النور، لوسيا كانت هي التي تبدد الظلام وتخلق الأمل بالتجول بالشموع وغناء الترانيم وتقديم كعك الزعفران والقهوة. يجب ألا ننسى أن هذا التقليد هو أيضا جزء من عملية متعددة الثقافات لها جذور في إيطاليا. هذا البعد من لوسيا مهم، حيث يوضح لنا كيف تتطور البلدان والثقافات، ليس في عزلة، ولكن في الانفتاح والترابط والتنوع وبالتالي إثراء بعضنا البعض”.
وختمت:”مع احتفالنا بموسم النوايا الحسنة، نرسل فكرة إلى أولئك الذين يكافحون ويواجهون صعوبات متزايدة بسبب الأزمة المتعددة الأوجه في لبنان. واتمنى أن يحمل العام 2022 فرصا للمساهمة في التغييرات التي يحتاجها ويستحقها لبنان كثيرا:الانتخابات والإصلاحات وحماية الفئات الأكثر ضعفا، على سبيل المثال لا الحصر. واسمحوا لي أن أختتم بالنيابة عن سفارة السويد، بتمنياتكم بالسعادة والصحة والسلام في هذا الموسم الاحتفالي وما بعده”.
المرتضى
ثم تحدث المرتضى عن تضحيات القديسين وقال:”تزخر القرون الثلاثة الأولى من عمر المسيحية بأحداث الاضطهاد وأصناف التعذيبات المتنوعة التي كابدها المؤمنون على يد السلطة الرومانية الوثنية، وبأخبار تضحياتهم وثباتهم على إيمانهم حتى ولو تعرَّضوا للموت. فكان أن عدتهم الكنيسة قديسين وشيدت فيما بعد على أسمائهم بيعا ونظمت صلوات واتخذهم المسيحيون قدوة في القداسة والصبر. من هؤلاء القديسة لوسيا التي نجتمع اليوم في ظل يومها، الواقع قبيل عيد ميلاد السيد المسيح مولودا من البتول مريم”.
واشار الى أن “القديسة لوسيا التي جاءت من سيراكوزا في إيطاليا، ترسمها الأيقونات حاملة عينيها في طبق على يديها، فكأنها تحمل النور الذي يضيء النفوس أولا، لكي ندركَ معنى الفرق بين الضوء والعتمة، بين الإيمان والإلحاد، بين الصبر على المكاره والتشبث بالإيمان والمحبة، في مواجهة الإلحاد والشر والظلم والبغض، حتى التضحية بالنفس كما قال السيد المسيح وفق إيمانكم يا اخوتي المسيحيين:ليس حب أعظم من هذا، أن يبذل الإنسان نفسه فداء عن أحبائه”.
وشدد على “أهمية الايمان بالمعتقد ومواجهة الطغاة والظالمين”، ولفت الى أن “إيمان لوسيا بمعتقدها، على رغم ما مورس عليها من ضغط وظلم وقهر، دفعها إلى تحمل أقسى صنوف العذاب وأبشعه من الحاكم الروماني باسكاسيوس الذي رمى بها في النار. وحين نجت من دون إصابة، قطع رأسها بالسيف في العام 304 ميلاديا، وهنا يحضرني، انا المسلم، الإمام الحسين الذي رفض الخنوع للطاغية واستمسك بالإيمان واختار السلة، اي ان يقتل على الذلة اي الخضوع، واطلق صرخة ما برحت عصية على الزمن وما برحت تهز عروش الظالمين، ان هيهات منا نحن المؤمنين بالله وبحرية الانسان ان نركن للذين ظلموا او ان نقبل بالذلة”.
اضاف:”هذه المشهدية تأخذنا إلى فكرتين أساسيتين: الأولى ضرورة مواجهة الإستبداد والتطرف والظلم أينما كان وكيفما أتى، والثانية ضرورة المحافظة على حرية التعبير والاعتقاد، وخصوصا بالنسبة للمرأة في عصرنا الراهن، حيث ينبغي أن يكون لها كامل حقوقها الإنسانية والدستورية والقانونية والإيمانية، من غير انصياع تلقائي للعقل الذكري، الذي يعيدنا إلى القرون الوسطى، بل الى ما مورس في منطقتنا مؤخرا على يد المد التكفيري، بما حواه ذلك من انتهاكات مخزية ستبقى وصمة عار في جبين من استولد ذلك الإرهاب ودعمه”.
وتابع:”لوسيا التي تعترف بقداستها الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية، القادمة أصلا من صقلية، أصبح يوم استشهادها يوما وطنيا وشعبيا في السويد، في أقصى شمال الأرض، بل صارت قديسة الجهات الأربع، تأكيدا على أن الفضائل لا جنسية لها ولا مذهب ولا عرق ولا وطن، إنها للانسانية جمعاء. من هنا يصبح مشهد القديسة لوسيا المنتصرة على العذاب والموت، ردا واضحا على رذائل البشاعة والقمع ورفض الاعتراف بالآخر والتمسك بالأحادية في الاعتقاد، التي تضرب مفهوم الحياة التشاركية وقيم الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة بين الطبقات والفئات والأجناس والأديان”.
واكد ان”دولة السويد من أكثر الدول في العالم التصاقا بتلك الفضائل وتطبيقا لها، في نصوص قوانينها وفي ممارسات شعبها وسلطاتها، حتى أصبحت المكان الأمثل لاحتضان المضطهدين والهاربين من أهوال الحروب والاستبداد في بلادهم. دولة آمنت بحق الإنسان في الحياة الكريمة، وجسدت ذلك في ديمقراطية حية، وتقاليد راسخة وتربية اجتماعية متنورة. ولبنان يا سادة كالسويد بلد ديمقراطي، لكن الطائفية فيه آفته، فهي تنصب بين المواطن وأخيه، وبينه وبين الوظيفة العامة، أسوارا عالية يصعب تجاوزها، حتى صار الانتماء الطائفي أقوى من الشعور الوطني، وهذا ما سبب حروبا داخلية وفسادا في السلطة واهتراء في نظام الحكم”.
وختم:”لكن لبناننا الجريح سيقوم من رماده بعزم أبنائه وإصرارهم على مكافحة الطغيان والمفاسد. فنحن في زمن القرية الكونية وثورة الاتصالات التي أزالت العوائق والحواجز بين المجتمعات، لصالح حق الإنسان في العيش الكريم والتمتع بالحريات العامة، ولبنان يشارك السويد وصقلية، وكل أوروبا من جنوبها إلى شمالها، مبادىء التغيير الديمقراطي والحفاظ على الحريات واحترام الرأي الآخر وتطبيق العدالة. وعلينا من أجل ذلك أن نقتدي بالقديسة لوسيا التي بذلت اغلى ما عندها في سبيل المحافظة على شرفها وإيمانها وحريتها”.
عرض فني
ثم قدمت جوقة لوسيا التي شكلها موظفو السفارة السويدية وأطفالهم وبعض عائلات السفراء في بلدان الشمال الأوروبي والاتحاد الأوروبي، مجموعة تراتيل للقديسة لوسيا بالاضافة الى تراتيل ميلادية لمناسبة الاعياد المجيدة.