رأي

اتفاق بوتين ــ كيم أون.. إنه اللعب بالنووى أيها الغرب!

كتب خالد أبو بكر في صحيفة الشروق.

كانت زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية الأربعاء الماضى وما تمخض عنها من توقيع اتفاق للدفاع المشترك بين البلدين فى حال تعرض أى منهما لعدوان لحظة فريدة من نوعها على خريطة التحركات الجيوستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن وصفها «ديفيد إى سانجر» محرر شئون الأمن القومى فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأنها «واحدة من أقوى لحظات العودة إلى الحرب الباردة».
أما لماذا كانت هذه اللحظة على هذا القدر من الأهمية؟.
أقول لارتباطها الوثيق بالسلاح النووى، وتقويض نظام منع انتشاره عبر مقايضة بين موسكو التى تريد ذخائر ومدفعية كورية ــ شمالية بعيدة المدى للتأثير فى العمق الأوكرانى، وبين بيونج يانج التى تسعى إلى الوصول للتكنولوجية الروسية المتقدمة التى تجعل صواريخها الباليستية قادرة على حمل رءوس نووية تمتلك منها 60 رأسا على الأقل، وهو ما سيمثل انقلابا استراتيجيا فى معادلة الردع بين كوريا الشمالية والغرب.
*
إن مخاوف الغرب الشديدة من التعاون بين بوتين وكيم أون لم تكن بالنسبة لى وليدة زيارة سيد الكرملين لكوريا الشمالية الأسبوع الماضى، فبدت تلك المخاوف واضحة أمامى فى الاجتماع الأخير لمجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى تابعته من داخل مقر انعقاده فى فيينا بين 3 و6 يونيو الجارى، بعد أن قدمت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان بيانا ثلاثيا هاجم بضراوة التعاون العسكرى المتوسع بين كوريا الشمالية وروسيا، واعتبروا أنه «يقوض النظام العالمى لمنع الانتشار النووى، ويهدد السلام والاستقرار فى أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ ــ الهندى، وفى جميع أنحاء العالم، ويطيل المعاناة الناجمة عن حرب روسيا ضد أوكرانيا».
وأشار البيان الثلاثى فى هذا الصدد إلى «مشتريات روسيا من الأسلحة التى تنتجها كوريا الشمالية». كما عبرت الدول الثلاث عن أنها «تشعر بقلق عميق إزاء احتمال أى نقل للتكنولوجيا النووية أو المتعلقة بالصواريخ الباليستية من روسيا إلى كوريا الشمالية».
*
إذن التعاون النووى بين موسكو وبيونج يانج هو المصدر الأكبر لقلق الغرب، الخائف من تقويض نظام منع الانتشار النووى، الذى يحتضر منذ عدة سنوات، بل إن لقاء بوتين وكيم أون، الأربعاء الماضى كان بمثابة حفل التأبين لهذا النظام، وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» لقد «فعل بوتين ما هو أكثر بكثير من مجرد إسقاط أى مظهر من مظاهر الرغبة فى ضمان ضبط النفس النووى، عندما وعد بتقديم مساعدة تكنولوجية غير محددة لكوريا الشمالية، والتى إذا تضمنت التقنيات القليلة المهمة التى يسعى كيم إلى تحسينها يمكن أن تساعد بيونج يانج على تصميم رأس حربى نووى يمكنه البقاء على قيد الحياة عند العودة إلى الغلاف الجوى وتهديد خصومه وعلى رأسهم الولايات المتحدة».
ما يؤشر على دعم روسيا لكوريا الشمالية فى هذا الاتجاه تصريح بوتين خلال الزيارة الذى قال فيه: «لدى بيونج يانج الحق فى اتخاذ تدابير معقولة لتعزيز قدرتها الدفاعية، وضمان الأمن القومى وحماية السيادة»، ولم يتطرق إلى ما إذا كانت هذه التدابير تشمل مواصلة تطوير الأسلحة النووية.
*
لم يكن المسرح الأوكرانى بعيدا عن التحرك المحسوب لفلاديمير بوتين فى اتجاه التلويح على الأقل بتسليم الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية النووية لبيونج يانج، فهى رسالة وصلت عناوينها المقصودة فى الغرب، وفى ذلك قال صراحة فى فيتنام التى زارها قادما من كوريا الشمالية: «قلت فى بيونج يانج إننا نحتفظ بالحق فى إمداد مناطق أخرى من العالم بالأسلحة»، أى أنه إذا منح الغرب لنفسه الحق فى نقل السلاح إلى أوكرانيا فإن روسيا سوف تمنح نفسها ذات الحق بنقل السلاح إلى دول أخرى تناصب الغرب العداء، ولن تكون موسكو قلقة بشأن كيفية استخدام هذه الأسلحة.
كوريا الشمالية هى الرابح الأكبر من تعاونها مع موسكو.. فالأمر بالنسبة لـ«كيم أون» أكبر من مجرد صفقات أسلحة محتملة، ذلك أنه يريد اتخاذ موقف أقوى ضد التعاون العسكرى المتنامى للولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان، وحماية نفسه فى مجلس الأمن من خلال «الفيتو» الروسى.
لكل ما سبق اعتبر فيكتور تشا، مسئول الأمن القومى الأمريكى السابق الذى يعمل الآن فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن «قمة بوتين ــ كيم أون تمثل أكبر تهديد للأمن القومى الأمريكى منذ الحرب الكورية»، بحسب ما نقلته عنته وكالة رويترز.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى