اتفاقية التجارة الحرة لدول جنوب إفريقيا.. ما هي؟
تعتبر منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية في منظورها العام أكثر بكثير من مجرد اتفاقية تجارية، حيث ينظر إليها على أنها أداة مكتملة الأركان لتنمية إفريقيا، من خلال دفعها بشكل استراتيجي الى تكامل القارة، وتضع الأسس الراسخة لإحداث ثورة صناعية وتجارية وبالتالي توفيرها لفرص الأعمال والوظائف في إفريقيا. وهي أيضًا اتفاقية تجارية طموحة لتشكيل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم في حال تم بالفعل تنفيذها، فهي تربط ما يقرب من “1.3 مليار شخص عبر 55 دولة إفريقية تمثل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي”. والهدف هو الوصول إلى التكامل الاقتصادي المنشود بالقارة الإفريقية؛ سعيًا لتحسين مناخ الاستثمار والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.
كيف بدأت وأين وصلت؟
نشأت منطقة التجارة الحرة للقارية الإفريقية بناء على رغبة متبادلة للدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لضمان فرص عمل وحياة أفضل للشعوب الإفريقية وتوفير سبل علاج مستدامة للعديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعج بها القارة، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية التي تؤدي إلى إزهاق أرواح العديد من شبابنا الأفارقة.
وقَّعت حتى الآن “54 دولة عضوًا بالاتحاد الإفريقي على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. كما أن ثلاثًا وأربعين دولة عضوًا في الاتحاد الإفريقي هي دول أطراف في الاتفاقية”، بحكم إيداعها لوثائق التصديق على الاتفاقية، مما يدل على إرادة سياسية ثابتة لتحقيق تكامل السوق في إفريقيا. وعملًا بالمادة 13 من اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، أنشأ المؤتمر أمانة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، ويقع مقرها في أكرا غانا. والدول التي صادقت على الاتفاقية هي:
غانا، كينيا، رواندا، النيجر، تشاد، إيسواتيني، غينيا، كوت ديفوار، مالي، ناميبيا، جنوب إفريقيا، جمهورية الكونغو، جيبوتي، موريتانيا، أوغندا، السنغال، توغو، مصر، إثيوبيا، غامبيا، جمهورية الصحراء العربية، سيراليون، زيمبابوي، بوركينا فاسو، ساو تومي وبرينسيبي، غينيا الاستوائية، الغابون، موريشيوس، جمهورية إفريقيا الوسطى، أنغولا، ليسوتو، تونس، الكاميرون، نيجيريا، مالاوي، زامبيا، الجزائر، بوروندي، سيشيل، تنزانيا، كابو فيردي، المغرب، جمهورية الكونغو الديمقراطية.
هناك 6 دول أعضاء ما زالت لم تصادق على الاتفاقية وهي دول في منظمات اقتصادية، ففي مجموعة دول شرق إفريقيا (EAC) لم تصادق جنوب السودان. وفي الاتحاد الجمركي لمنطقة الجنوب الإفريقي (SACU)، لم تصادق بوتسوانا بعد على وثيقة التصديق الخاصة بها، كما كشف الاجتماع التنسيقي الثاني لرؤساء المجموعات الاقتصادية الإقليمية الذي عُقد في مدينة أروشا التنزانية، في 7 يونيو/حزيران 2022، أن دول بنين وغينيا بيساو وليبيريا، وهي دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، لم تصبح بعد دولًا أطرافًا في اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية.
تم التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية في مارس/آذار عام 2018، وتمت المصادقة عليها من قبل النصاب المطلوب من الدول، في مايو/أيار 2019، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2021، في حين كانت أول شحنة بموجب اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية قادمة من غانا ومتوجهة إلى جنوب إفريقيا.
وقد تعهدت الدول الإفريقية ككتلة واحدة بناء على اتفاقية التجارة الحرة القارية، بتحرير التجارة في معظم تعاملاتها التجارية من خلال إلغاء التعريفات الجمركية على 97% من عامة الرسوم والمدفوعات. ومنذ بدء التنفيذ وحتى الآن قدمت 44 دولة من أعضاء الاتحاد الإفريقي عروضها التعريفية، وهي خطوة جيدة نحو التنفيذ الفعلي والاستفادة الكاملة من الاتفاقية.
فرص التنمية في القارة السمراء
بطبيعة الحال، تهدف هذه المنطقة التجارية الحرة إلى إنشاء سوق مشتركة موحدة للسلع والبضائع من أجل تعميق التكامل الاقتصادي لإفريقيا. وفي هذا الصدد تشير التوقعات إلى “أن الاتفاقية يمكن من خلالها أن يبلغ إجمالي الناتج المحلي للمنطقة المعنية حوالي 3.4 تريليونات دولار”. ولكن، من أجل تحقيق هذا الهدف المتكامل لإمكاناتها، سيعتمد ذلك بشكل كبير على إصلاحات سياسية مهمة، وتدابير ضرورية لابد أن تنفذها الحكومات من أجل تيسير التجارة عبر الدول الإفريقية الموقعة والتي صادقت بالفعل على الاتفاقية.
وفقًا لتقديرات البنك الدولي الصادرة مؤخرًا، فإن تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارية الإفريقية سيسهم في انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع و68 مليون شخص من الفقر المعتدل. وبحلول عام 2035، سيزداد حجم إجمالي الصادرات للدول الأعضاء بنسبة 29 في المئة تقريبًا مقارنة بالنسب الحالية. وستزيد الصادرات بين القارات بأكثر من 81 في المئة، بينما سترتفع الصادرات إلى البلدان غير الإفريقية بنسبة 19 في المئة. وذلك كله من شأنه أن يخلق فرصًا جديدة للتنمية للمصنِّعين والعمال الأفارقة، والحصول على أسواق أخرى أجنبية.
تركز منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية بشكل قوي على التنمية، وتسلط الضوء بالتحديد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمواءمة القانونية بين أهدافها، وتضمين جوانب أجندة 2063 المعلنة للاتحاد الإفريقي، والتي بموجبها تعطي الأولوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، وتربط نمو إفريقيا وتكاملها بأهداف التنمية المستدامة لإفريقيا.
وتعتبر فرص التنمية الرئيسية قائمة على عوامل محددة يمكن من خلالها تحقيق أهداف التنمية لاسيما ما يتعلق بقطاع التصنيع والزراعة والقطاع المالي وكذلك بناء القدرات للمرأة الإفريقية وتحريرها من الجهل وأعمال العنف ضدها، وأبرز تلك العوامل:
تنمية الصناعة الخاصة بالزراعة
وهذا العامل بالتحديد يعتبر من أهم بنود الأجندة التي كان من المفترض أن يوليها القادة الأفارقة أهمية كبرى لتحقيق الكفاية والأمن الغذائي لتجنب أزمات زيادة أسعار المواد الغذائية والتي تؤدي في حالات كثيرة الى أزمات المجاعة، مثل الأسعار الجنونية التي تعصف بسكان القارة الإفريقية في الوقت الراهن جرَّاء الحرب الروسية-الأوكرانية الجارية. فمن غير المعقول أن تعتمد قارة إفريقيا بأرضيتها الزراعية الخصبة على دول أجنبية في غذائها!، ويمكن ذلك من خلال تعزيز التنمية الصناعية وبالتحديد التنمية الصناعية المتعلقة بالزراعة، والأمن الغذائي، من خلال توفير صندوق مالي حكومي خاص لكل دولة لتدعيم القطاع الزراعي ومنحه الأولوية على حساب قطاعات أخرى أقل أهمية. كما يمكن أن تلعب منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية دورًا مهمًّا في تسهيل التجارة البينية في المنتجات الغذائية الزراعية من مناطق الفائض إلى مناطق العجز، وبالتالي استقرار أسعار المواد الغذائية وتحسين الأمن الغذائي والذي يعتبر من أهم القطاعات التي يجب أن تهتم بها القارة لتنميتها وإنقاذها من إذلال أزمات الجوع وطلب المعونة من الدول الأجنبية.
من المؤسف أن قطاع الزراعة يعتبر من القطاعات شبه المهمشة في إفريقيا، وقد يكون ذلك بفعل أطراف أجنبية بهدف وضع القارة في وضعية عدم الاكتفاء الغذائي وبالتالي وعند حدوث أي أزمة عالمية أو دولية “الحرب الروسية-الأوكرانية كمثال” تصبح القارة في خطر حدوث مجاعة، وهذا ما يهدف اليه أعداء القارة لتجويع الإفريقي حتى يصبح جل اهتمامه كيفية سد جوعه بدلًا من البحث عن القيادة والريادة والتطور والازدهار، وهذه العوامل كفيلة بوضع حدٍّ لنهب وسرقة الموارد الطبيعة الضخمة لإفريقيا.
التنمية من خلال تشجيع الصناعة والتجارة
تشير تقديرات البنك الدولي (2020) إلى أنه في إطار زيادة إجمالي الصادرات بنحو 29%، فإن الصادرات الصناعية ستحقق أكبر المكاسب، مع زيادة التجارة الصناعية داخل إفريقيا بنسبة 110% وزيادة الصادرات الصناعية إلى بقية العالم بنسبة 46%. وهذا من شأنه أن يخلق فرص الحصول على أسواق أجنبية بأسهل الطرق الممكنة.
كما أن فرص التنمية في قارة إفريقيا متاحة بشكل كبير من حيث التركيز على كيفية استغلال أبناء القارة للموارد الطبيعية الضخمة التي تزخر بها إفريقيا، والتي جعلتها محط أنظار معظم المستثمرين حول العالم، فاليوم نرى تهافت الدول الغربية والخليجية وحتى اللاتينية لضخ استثماراتها في إفريقيا، ومنها من تستثمر بمبدأ الربح للجانبين ولكن مع الأسف هناك من يستثمر لجني الأرباح له ولفئة معينة من الحكام الفاسدين وبالتالي تصبح الشعوب والدول هي الخاسر الأول.
إن فرص التنمية متاحة في العديد من الميادين في القارة الإفريقية واتفاقية التجارة الحرة تعزز هذه النظرية، فبإمكان الشباب الآن تنفيذ وابتكار المشاريع التجارية حتى الصغرى والمتوسطة للمبتدئين داخل إفريقيا وبإمكانهم تحقيق أرباح جيدة، بدلًا من البحث عن طرق اللجوء غير الشرعية التي تكلف أموالًا طائلة وأحيانًا ينتهي بهم المطاف الى الموت.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات