إيران وأسواق النفط والغاز

كتب أنس بن فيصل الحجي في صحيفة إندبندنت عربية.
ما زالت أحداث الهجمات على إيران وردود إيران عليها تحرك أسواق النفط والغاز، لهذا يستمر الحديث عن الموضوع رغم تغطيته في الماضي. والكثيرون مستغربون من الانخفاض الكبير في أسعار النفط، رغم دخول الولايات المتحدة الحرب، وضربها المنشآت النووية الإيرانية، ثم قيام إيران بإرسال صواريخ لضرب قاعدة عسكرية أميركية في قطر. أحداث جسام، ومع ذلك انخفضت أسعار النفط بنحو 7 في المئة الإثنين.
وما زالت المبالغات من كل الجهات، بما في ذلك وسائل الإعلام المستقلة، هي سيدة الموقف. لهذا سأخصص هذا المقال لهذه المبالغات، رغم أن بعضها مكرر، بسبب الانتشار الشديد لهذه المبالغات.
إغلاق مضيق هرمز
نوقش هذا الموضوع بالتفصيل في الأسبوع الماضي، وأذكر مختصراً له هنا بسبب الانتشار الكبير لهذا الموضوع. بداية، علينا أن نفرق بين أمرين: إغلاق المضيق، ومشاكل في المناطق المحيطة بالمضيق.
لا يمكن لإيران على الإطلاق إغلاق مضيق هرمز، لأنه عريض، ونصفه الذي تمر منه أغلب السفن يقع في عُمان وليس في إيران، وهو محمي من قِبل بحريات مجموعة من الدول، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والهند.
وأي محاولات لعرقلة الملاحة فيه ستضر إيران وأصدقاءها في آسيا. فأغلب صادرات وواردات إيران تمر عبر المضيق، كما أن 83 في المئة من صادرات النفط، و87 في المئة من صادرات الغاز المُسال في الخليج العربي، تذهب إلى آسيا، ومعظمها إلى دول صديقة لإيران مثل الصين والهند. كما أن أغلب صادرات دول الخليج العربية النفطية والغازية تمر من المضيق، وكانت هذه الدول قد وقفت بقوة مع إيران ضد إسرائيل. وآخر ما تريده إيران الآن هو خسارة هذا الدعم.
ولا بد من الأخذ بالاعتبار أن بعض أتباع النظام الإيراني قد يقومون بعمليات تخريبية في الخليج، حتى من دون تنسيق مع النظام الإيراني. وهنا لا بد من ذكر حقيقة، وهي أن كل العمليات الإرهابية ضد الملاحة لم تحدث في المضيق، وإنما حصلت في الخليج العربي أو خليج عُمان. هذا يخفف من التخوف من تعطل الملاحة في المضيق.
وكان البرلمان الإيراني (المجلس) قد صوت على إغلاق مضيق هرمز، وانتشر الخبر في شتى أنحاء العالم انتشار النار في الهشيم، على أن “إيران قررت إغلاق مضيق هرمز”. المشكلة ليست في تحوير الخبر فقط، ولكن أيضاً في أن وسائل الإعلام لم تتحقق من دور المجلس في رسم السياسات والاستراتيجيات الإيرانية. فالمجلس ليس له أي علاقة بالأمن القومي أو بالسياسات الخارجية على الإطلاق، وقراره مجرد رسالة دعم للنظام فقط.
وكانت وسائل الإعلام قد ذكرت أول أمس أن حاملتين للنفط فارغتين وصلتا إلى المضيق ثم عادتا أدراجهما بسبب التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز. تراجع الناقلتين صحيح، وكلاهما من أكبر ناقلات النفط في العالم، إحداهما مملوكة لشركة صينية وكانت ذاهبة لتحميل النفط الخام من الإمارات، والأخرى أوروبية وذاهبة لتحميل النفط من البصرة في العراق. ولكن السبب الذي ذكرته وسائل الإعلام غير صحيح. فقد نتج عن العمليات العسكرية تأخر عمليات التحميل في أغلب الموانئ، فنتج عن ذلك وجود ازدحام حول بعض الموانئ، كما أن عدد الأرصفة المخصصة لكبرى حاملات النفط محدود. هذا الازدحام أجبر إدارة الموانئ على الطلب من هاتين السفينتين البقاء خارج مضيق هرمز حتى يأتي دورهما في التحميل. وهذا ما حصل، حيث عبرت كلتا الناقلتين مضيق هرمز بعد نحو 12 ساعة.
خلاصة الكلام هنا أنه يجب التوقف عن الحديث عن إغلاق مضيق هرمز إطلاقاً، لأنه مضيعة للوقت، والتركيز على الأعمال الإرهابية التي تعرقل الملاحة في الخليج العربي وخليج عُمان. ولكن حتى أثر هذه الأعمال في أسعار النفط محدود.
بدائل مضيق هرمز
خلال الـ 50 سنة الماضية، ركزت أدبيات أمن الطاقة، سواء البحوث المنشورة في مجلات علمية محكمة، أو المقالات المنشورة في مجلات وصحف مرموقة، وكل النقاشات الأكاديمية في المؤتمرات وغيرها، على ضرورة بناء أنابيب نفط لتفادي آثار إغلاق مضيق هرمز أو المشاكل فيه. كل الشركات الاستشارية أكدت على هذه الفكرة، ونتج عن ذلك بناء خطي أنابيب من شرق السعودية إلى غربها، وبناء خط بين حبشان والفجيرة في الإمارات، وبناء خط من العراق عبر السعودية إلى البحر الأحمر، وخط من العراق إلى البحر المتوسط عبر سوريا، وكان هناك عدة مخططات لأنابيب لم ترَ النور عبر اليمن وعُمان. كما طُرحت فكرة شق قناة على نمط قناة السويس بين الخليج والبحر الأحمر عبر السعودية.
وعلى الجانب الآخر من الخليج، قامت إيران ببناء خط أنابيب من الشمال إلى الجنوب يتجاوز مضيق هرمز، بطول يتجاوز ألف كيلومتر.
لا أحد ينكر أهمية هذا التنوع، سواء من الناحية الاستثمارية أو الإدارية، ولكن التقدم التقني خفف من أهمية هذه البدائل. انتشار المسيرات بسبب انخفاض تكاليفها يعني أنه يمكن لأي فئة استخدامها لضرب أي منشأة في أي مكان. ودليل ذلك أنه تم ضرب محطات ضخ لأنبوب شرق-غرب في وسط السعودية، كما تم ضرب بعض خزانات الوقود في المنطقة الغربية.
بعبارة أخرى، في أدبيات أمن الطاقة، لم تعد أي بدائل لمضيق هرمز آمنة في حالة حرب، ولكنها في الأحوال العادية مهمة لتنويع طرق التصدير وإعطاء حرية أكبر في التعامل مع المصادر الطبيعية.
مقدار رفع سقف الإنتاج ما بين بداية أبريل ونهاية يونيو نحو 960 ألف برميل يوميا. مقدار الزيادة في صادرات أوبك+ في يونيو مقارنة بصادرات شهر مارس، قبل رفع سقف الإنتاج، 38 ألف برميل يوميا فقط! هذا يعني أن النفط كان موجودا في السوق على كل الحالات بسبب تجاوز العراق وقازاخستان للحصص من جهة، وان جزءا من الزيادة في الانتاج ذهب للاستهلاك المحلي بسبب الحج في السعودية وبسبب بداية فصل الصيف في الدول الأخرى.
وقف إطلاق النار
أعلن الرئيس ترمب أمس وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. ما آثار هذا التطور في أسواق النفط إذا صمد وقف إطلاق النار؟ نظرياً، أسعار النفط ستنخفض. عملياً، هبطت أسعار النفط عند افتتاح الأسواق الآسيوية صباح الثلاثاء بنحو 4 في المئة، وهذا يأتي فوق 7 في المئة انخفاضاً أمس. ولكن انخفاض أسعار النفط كان كبيراً ولا تدعمه قوى السوق الحالية، لذلك يُتوقع أن تتراجع خسائر أسعار النفط اليوم، ثم ترتفع لاحقاً.
في حالة استمرار وقف إطلاق النار، فإن أهم حدث قادم هو اجتماع دول الثمانية في “أوبك+” لإقرار الزيادة في سقف إنتاج النفط لشهر أغسطس (آب). ويُتوقع أن تستمر المجموعة في نهجها بزيادة سقف الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً. هذا يعني أن ما تبقى من التخفيضات الطوعية نحو 400 ألف برميل يومياً فقط. وهنا يجب توخي الحذر، لأن زيادة الإنتاج شيء، وزيادة سقف الإنتاج شيء آخر. وتشير أحدث البيانات إلى أن صادرات “أوبك+” من النفط الخام ارتفعت بشكل كبير في شهر يونيو (حزيران)، وقد يفسرها البعض على أنها ستضغط على أسعار النفط وتُخفضها، ولكن نظرة فاحصة على الأرقام تُظهر صورة أخرى:
مقدار رفع سقف الإنتاج ما بين بداية أبريل (نيسان) ونهاية يونيو بلغ نحو 960 ألف برميل يومياً. مقدار الزيادة في صادرات “أوبك+” في يونيو مقارنة بصادرات شهر مارس (آذار)، قبل رفع سقف الإنتاج، بلغ 38 ألف برميل يومياً فقط! هذا يعني أن النفط كان موجوداً في السوق على كل الأحوال، بسبب تجاوز العراق وقازاخستان للحصص من جهة، وأن جزءاً من الزيادة في الإنتاج ذهب للاستهلاك المحلي بسبب الحج في السعودية وبداية فصل الصيف في الدول الأخرى.