رأي

إيران توصد أبواب منشآتها النووية: لا ثقة بـ«الوكالة الدولية»

كتب محمد خواجوئي, في الاخبار:

بلغت العلاقات بين إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أسوأ مستوياتها على الإطلاق؛ وذلك على خلفية إصرار الأخيرة على الوصول إلى المواقع النووية التي قُصفت قبل أشهر، ورفض الأولى تقديم معلومات بالمجّان عمّا آلت إليه تلك المواقع عقب الضربة الأميركية.

تبدو العلاقات بين إيران و»الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في أكثر حالاتها تعقيداً وحساسيّة، منذ عقدَين. ففي حين تلحّ الوكالة على أن الجمهورية الإسلامية مُلزمة، بموجب «معاهدة منع الانتشار النووي» و»اتفاقات الضمانات»، بالسماح للمفتّشين بالوصول إلى منشآتها التي استهدفتها الولايات المتحدة وإسرائيل في حرب حزيران الماضي، تقول إيران، إن هذه الالتزامات تسري على «ظروف اللَّاحرب»، وترى أنه «ليس في مصلحتها» السماح راهناً بالوصول إلى منشآتها وموادّها النووية. وكان المدير العام للوكالة، رافايل غروسي، أعلن، في مقابلة مع وكالة «ريا نوفوستي» الروسية للأنباء، أوّل من أمس، أن «مفتّشي الوكالة عادوا إلى إيران، لكنّهم لم يتمكّنوا من الوصول إلى المنشآت المفتاحية (نطنز وفوردو وأصفهان)»، مضيفاً: «إذا كانت إيران تزعم بأن المواقع غير آمنة، فإنه يتعيّن عليها، لهذا السبب على وجه التحديد، إتاحة إمكانية التحقّق»؛ علماً أن السلطات الأميركية، كما الإيرانية، كانت أعلنت أن المواقع المُستهدفة «تضرّرت بشكل جادّ» جراء الضربات.

في المقابل، علّق الناطق باسم «مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية»، بهروز كمالوندي، على تصريحات غروسي، بالقول إنه «من الناحية الأمنية، ليس من المصلحة الآن تزويد العدو بالمعطيات وكمية المواد النووية التي نملكها أو حجم الضرر الذي لحق بالمواقع». واعتبر كمالوندي أنه من «غير المعقول» أن تصرّ الوكالة الدولية على التنفيذ التامّ لـ»اتفاقات الضمانات» التي قال إنها «نُظّمت للظروف غير الحربية»، وأن «تطلب الوصول إلى المواقع والتزوّد بالتقارير حولها في الوضع الحالي». كذلك، أشار الناطق إلى أن «اتفاق القاهرة» الموقّع بين طهران والوكالة لاستئناف التعاون بينهما، صار في حكم المُلغى، بعدما حاولت بلاده «بحسن نيّة» توفير ظروف العمل، لكنّ «هذا الموقف استُغلّ». ولفت إلى أن دراسة طلبات الوكالة، تتمّ في الوقت الراهن على أساس القانون الذي أقرّه البرلمان الإيراني، وأيضاً استناداً إلى قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي، في حين أن مواصلة التعاون، بحسبه، «تتوقّف على إجراء المزيد من المشاورات»، مؤكّداً أن إصدار إذن بالتفتيش، منوط برأي المجلس الأعلى للأمن القومي. واقترح كمالوندي، في إطار «حلّ» يُستبعد أن يحظى بقبول الوكالة، «أن نتّخذ تدابير ونرى ما إذا كان يمكن البتّ في المواد، وإبلاغ الوكالة بها من دون أن يصل المفتشون إلى المواقع ذات الصلة».
وتُظهِر تصريحات كمالوندي أن «حماية المعلومات» تحظى بأولوية مقارنة بـ»اتفاقات الضمانات»، وذلك في ظلّ تراجُع الثقة بين طهران والوكالة الدولية إلى أدنى مستوياتها التاريخية. وفي آخر قرار صدر عنها، وصاغته الدول الغربية، طلب الاجتماع الدوري للوكالة، إلى إيران، السماح فوراً للمفتشين بالوصول إلى المنشآت النووية التي تعرّضت للقصف، وكذلك تقديم الإيضاحات اللازمة حول مخزونات اليورانيوم المُخصّب. وبحسب التقديرات، تمتلك إيران أكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60%، وهي كميّة تكفي لصناعة نحو 10 قنابل نووية إذا تمّ تخصيبها عند نسبة 90%.

أكّد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس، أن منشآت بلاده تعرّضت لأضرار جسيمة

وفي سياق متّصل، أكّد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس، أن منشآت بلاده تعرّضت لأضرار جسيمة، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن «التقنية النووية الإيرانية لا تزال قائمة وحاضرة». وقال عراقجي، في تصريحات صحافية، إنه كان على تواصل مباشر مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، خلال الأشهر الماضية، للتفاوض حول البرنامج النووي الإيراني، مُجدِّداً استعداد بلاده للتوصّل إلى اتفاق عادل ومتوازن عبر المفاوضات، ورفضها لأيّ إملاءات خارجية. وأكّد عراقجي أن إيران على أتمّ الاستعداد لأيّ هجوم أميركي جديد، مكرّراً، في الوقت نفسه، جاهزيتها لتقديم ضمانات كاملة حول سلمية برنامجها النووي، الذي «سيظلّ كذلك إلى الأبد». ولفت إلى أنه «تمّ تقديم أفكار وحلول بنّاءة، لكنها ووجهت بالرفض المتكرّر، ما دفعنا إلى الاقتناع بأن الطرف الآخر غير مُستعِدّ للتوصّل إلى اتفاق عادل»، مضيفاً: «عزيمة إيران وإرادتها لا تزالان قائمتَين لناحية حقّها المشروع في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، بما في ذلك التخصيب، وتعتزم طهران ممارسة هذا الحقّ، وهي قامت بتطوير هذه التكنولوجيا بنفسها».

وفي ضوء ما تقدّم، ونظراً إلى المواقف المتصلّبة بین إیران والوکالة، يمكن وضع ثلاثة سيناريوات محتملة للأشهر الأولى من سنة 2026:
1- سيناريو زيادة التصعيد: يؤدّي استمرار عدم التعاون الإيراني في ما يخصّ وصول مفتّشي الوكالة إلى المواقع النووية المتضرّرة، إلى تصعيد المواجهة الدبلوماسية. وعلى هذه الخلفية، تعلن الوكالة، في تقريرها المقبل لمجلس المحافظين، أنه في ظلّ فراغ الرقابة واستمرار عدم الاطّلاع، فإنها باتت غير قادرة على التحقُّق من الطبيعة السلمية البحتة للبرنامج النووي الإيراني. ويمكن هكذا تقرير أن يمهّد الأرضية لاستصدار قرار شديد اللهجة وإعادة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. وفي المقابل، قد تقلّص إيران من مستوى تعاونها مع الوكالة، أو تهدّد حتى بالانسحاب من «معاهدة الحدّ من الانتشار النووي» كوسيلة لممارسة الضغط.

2- سيناريو المصالحة المحدودة: يتوصّل الطرفان، بوساطة طرف ثالث من مثل روسيا والصين أو بعض بلدان المنطقة، إلى اتفاق الحدّ الأدنى المؤقّت، الذي لا يتجاهل الهواجس الأمنية الإيرانية بالكامل، ولكنه يسمح للوكالة الدولية بالوصول المتحكَّم به، وذلك عن طريق أخذ العيّنات البيئية على أيدي الخبراء الإيرانيين وتحت إشراف غير مباشر من الوكالة، أو إفادة الأخيرة من معدّات المراقبة مع انفتاح محدود على المعطيات. والهدف الرئيسي من هكذا آلية، يتمثّل في منع الانهيار التامّ لنظام «اتفاقات الضمانات» وحفظ الثقة المتبادلة بحدّها الأدنى من دون أن تضطرّ إيران إلى وضع معلومات حسّاسة حول مدى الخسائر أو الوضع الحقيقي للمواقع الرئيسية، في تصرّف المفتّشين الأجانب.

3- سيناريو الغموض الاستراتيجي: لعلّ أكثر المسارات ترجيحاً في المدى القصير، هو الحفاظ على حالة الوسطية، بحيث لا تشهد الأزمة تصعيداً كاملاً ولا تحصل انفراجة حقيقية فيها. وبموجب هذا السيناريو، تواصل إيران بعض التعاون الفني المحدود للإبقاء على قناة التواصل مفتوحة، في حين يظلّ طريق الوصول إلى المواقع الرئيسية والمتضرّرة مُغلقاً. وهذه الحالة تعني «إدارة الأزمة عن طريق شراء الوقت»، ما يتيح لطهران إمكانية المضيّ قدماً في إعادة بناء منشآتها وتأهيلها، إلى جانب رصد التطوّرات السياسية والدبلوماسية على الصعيدَين الإقليمي والدولي. وفي المقابل، فإن الوكالة الدولية، وعلى رغم استيائها من تلك الاستراتيجية، تمتنع عن دفع الأمور إلى نقطة الانفجار الكامل.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى