رأي

إيران توازن الضغوط الداخلية والخارجية قبل المفاوضات مع أميركا

كتبت هدى رؤوف في صحيفة إندبندنت عربية.

تعمل ايران على موازنة الضغوط الداخلية والخارجية قبل المفاوضات المزمعة مع واشنطن، لكنها من جهة أخرى قد تكون تسعى إلى كسب الوقت كالمعتاد لتغيير الوقائع على الأرض، بما يمكنها من خلق ردع تجاه أية ضربات عسكرية إسرائيلية أو أميركية ضدها، فوفقاً لصحيفة” وول ستريت جورنال” فمن المرجح أن تستأنف إيران المفاوضات مع الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من أغسطس (آب) الجاري الذي وصفته بإمكان أن يكون حواراً غير مباشر، وربما بحضور دول أخرى.

لكن من جهة أخرى وفي إطار الاستعداد لتلك المفاوضات وكأنها تهيئة للمشهد الداخلي في إيران، وذلك الخاص بعلاقة طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأطراف الأوروبية، اتخذت ايران خطوات أخرى تمهيدية لتلك المفاوضات.

ومن جهة أخرى أعلنت إيران على لسان وزير خارجيتها مطالبها الرئيسة من الولايات المتحدة خلال المفاوضات، ومنها أن تقوم واشنطن بالموافقة على تعويض إيران عن الخسائر التي تكبدتها خلال حرب الـ 12 يوماً مع إسرائيل، وهو شرط تطرحه طهران لاستئناف المحادثات النووية مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، فقد قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في لقائه مع صحيفة “فايننشال تايمز” إنه “يجب عليهم أن يوضحوا سبب مهاجمتهم لنا في خضم المفاوضات، وعليهم ضمان عدم تكرار ذلك خلال المحادثات المستقبلية، وعليهم تعويض إيران عن الضرر الذي تسببوا به”.

ومن ثم تشترط إيران تعويضات مالية وضمانات بعدم تعرضها لهجوم خلال المفاوضات مرة أخرى، ولأن قضية المفاوضات النووية هي قضية داخلية وخارجية في إيران، أي أنها ترتبط بالمشهد الداخلي في البلاد، فضلاً عن ملف السياسة الخارجية وعلاقة طهران بواشنطن من جهة أخرى، نجد أن الحرب الإسرائيلية على إيران في خضم مفاوضات يونيو (حزيران) الماضي وانضمام الولايات المتحدة إليها قد عزز موقف الأصوليين المتشددين الرافض لمسار المفاوضات، وزاد من الانتقادات الحكومة مسعود بزشكيان، وإن كان من الضروري الإشارة هنا إلى أن المفاوضات الإيرانية مع الغرب جرت من قبل في ظل حكومات متشددة، مثل المفاوضات النووية مع الأوربيين قبل انضمام الولايات المتحدة خلال حكومة أحمدي نجاد، ومحادثات فيينا لإحياء المفاوضات مع إدارة جو بايدن وإبراهيم رئيسي، ومن ثم فإن التذرع بأن المواجهة الإسرائيلية عززت موقف المتشددين لرفض المحادثات ربما يكون صحيحاً من الناحية الشكلية، لكنه لا يعكس الموقف الحقيقي للمحافظين الذين صوتوا خلال الانتخابات الرئاسية الماضية لمصلحة حكومة بزشكيان الإصلاحية، كما أنه من المعروف أن هناك ضوء أخضر من المرشد الإيراني علي خامنئي لاستئناف المفاوضات بحسب تصريحات بزشكيان ذاته أمام مجلس الشورى.

ومع ذلك تعمل حكومة بزشكيان على التعامل مع مشهد المتشددين لذا كان تصريح عراقجي المشار إليه أعلاه بالرغبة في الحصول على تعويض من واشنطن، وذلك ليتفادى أية انتقادات توجه لحكومته حال جرت العودة للمفاوضات مع واشنطن، وتؤكد إيران أن التحديات التي تواجه استئناف الدبلوماسية هي المقاومة المتزايدة للمفاوضات داخل المؤسسة الحاكمة في إيران، إضافة إلى دعوات من بعضهم لطهران لتسلح برنامجها النووي، ومن جهة أخرى عيّن المرشد الإيراني علي لاريجاني ممثلاً له في المجلس  الأعلى للأمن القومي، وقد يعتبر للقرار علاقة بملف المفاوضات، ويقدم لاريجاني كوسيط بين الأصوليين المتشددين والمعتدلين، وكان له خبرة في ملف المفاوضات خلال إدارة نجاد، ووصف حينها بأنه يسعى إلى التهدئة مع الغرب وإيجاد آليات للتوصل إلى حل، لذا فيما يتعلق بالمسألة النووية فقد يكون من مبادرات علي لاريجاني تغيير نهج التفاوض والتخلي عن المفاوضات مع الأوروبيين، وطرح خطة جديدة للتشاور مع واشنطن.

إن الوضع المحيط بإيران يؤكد أنه ليس عليها إلا الوصول إلى مرحلة المفاوضات مع واشنطن، لأنه لا يمكن الاعتماد على المحاثات مع الأوروبيين الذين تعتبرهم طهران طرفاً ثانوياً، ولم يقدم الدعم بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي أو منع توجيه الضربات الإسرائيلية عليها، وأن الأوروبيين لا يملكوا سوى ورقة آلية الزناد أو ما يعرف بالعودة التلقائية للعقوبات الأممية، والتي ربما يكون هناك جدية للضغط على إيران من خلالها، فالأوربيون معنيون بتوقف دعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا، فضلاً عن أن عدم تفعيل الآلية تعني إعفاء طهران من جميع العقوبات الأممية وعدم عودتها، مما يعني فشل المجتمع الدولي في الضغط على إيران في ما بعد.

من جهة أخرى تعد إيران أن الحديث عن وساطة صينية بدلاً من العُمانية ليس دقيقاً، كما أن بكين قد ترفض تلك الوساطة لأنها تتبع سياسة الحياد الإيجابي أو السلبية الإيجابية، أي أنها لا تتدخل في النزاعات وتدعو الأطراف إلى حل الخلاف بالحوار، وحتى الآن لم تبد الصين أي اهتمام بالوساطة في القضية النووية الإيرانية، كما أن الصين من القوى النووية الخمس المهتمة بمسألة ضبط التسلح، وجميعها تؤكد  ضرورة ضبط التسلح ومنع زيادة عدد القوى النووية.

ويسود تصور داخل إيران أن الصين لا تقدم دعماً كبيراً لطهران في موقفها النووي، وقد صرحت من قبل بضرورة تغيير إيران لسياساتها النووية، لذا وفي ظل المعطيات السابقة فإن إيران عليها التفاوض مع واشنطن إما للتوصل إلى اتفاق موقت يرفع العقوبات من جهة، ويؤجل تفعيل آلية الزناد أو كسب مزيد من الوقت عبر تأكيد دخول الملف النووي الإيراني مرحلة الغموض الإستراتيجي والتي سبق وتحدثنا عنها في أعقاب الضربة الأميركية للمفاعلات النووية الإيرانية، ومن وقتها لم تحسم طهران أية إجابات حول مصير اليورانيوم عالي التخصيب، ومن ثم فلدى إيران ورقة مساومة أمام واشنطن، وعلى رغم ذلك أصبح هناك يقين لدى القيادة الإيرانية بأن توجيه ضربة عسكرية مجدداً أصبح حاضراً إلى جانب المفاوضات معها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى