إيران تدرس خيارات الردّ: عودة «الغرب الجماعي»… بسيف العقوبات

يفتح تفعيل دول «الترويكا» الأوروبية عملية إعادة العقوبات الدولية على إيران، جولة جديدة من المواجهة مع الغرب حول برنامجها النووي، وسط مهلة دبلوماسية ضيّقة.
كتب محمد خواجوئي, في الأخبار:
طهران | يفتح تفعيل دول «الترويكا» الأوروبية (فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) عملية إعادة العقوبات الدولية على إيران، المعروفة بـ«آلية الزناد»، جولة جديدة من المواجهة بين الغرب وطهران حول البرنامج النووي للأخيرة، في مسار قد لا يقود مباشرة إلى عودة فورية للعقوبات ضدّ الجمهورية الإسلامية، لكنه يضع الملف على سكة خطرة، مع نافذة محدودة (30 يوماً) من الوقت للدبلوماسية. وفي هذا الإطار، قالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في حديثها إلى الصحافيين أمس: «ندخل مرحلة جديدة مع فترة الثلاثين يوماً هذه، التي تقدّم لنا فرصة لإيجاد سبل دبلوماسية للتوصّل إلى حل».
على أن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أكّد، في رسالة إلى الأمم المتحدة، أمس، أن رسالة الترويكا حول الاتفاق النووي تضمّنت «تحريفاً للحقائق»، محذّراً من أن هذا النهج من شأنه أن يؤدّي إلى إضعاف مصداقية مجلس الأمن ووحدته. وكان عراقجي أعلن، أول من أمس، أن طهران ستتّخذ «الإجراءات المناسبة» رداً على هذا القرار، مشيراً إلى استعداد بلاده لاستئناف مفاوضات «عادلة» بشأن برنامجها النووي إذا أبدى الغرب حسن النية. وتزامن حديث عراقجي مع إعلان استعداد البرلمان الإيراني لبحث مشروع قانون يتيح انسحاب طهران من معاهدة «حظر انتشار الأسلحة النووية».
وبحسب الآلية المنصوص عليها في القرار 2231، الضامن للاتفاق النووي الموقّع عام 2015، فإن زعم أي طرف من أطراف الاتفاق أن إيران انتهكت التزاماتها، يفرض إحالة القضية إلى لجنة مشتركة لبحثها خلال 15 يوماً. وفي حال عدم معالجة الأمر، تُحال القضية إلى وزراء الخارجية، ثمّ إلى هيئة استشارية من ثلاثة أشخاص، أمام كلٍّ منهم مهلة 15 يوماً للبتّ فيها.
أمّا إذا لم تُحلّ الخلافات، فيستطيع الطرف المشتكي نقل الملف إلى مجلس الأمن، حيث يكفي اعتراض عضو دائم واحد (الفيتو) لمنع تجديد قرار تعليق العقوبات، ما يعني عودة جميع العقوبات على إيران تلقائياً، علماً أن مهلة استخدام هذه الآلية تنتهي في 18 تشرين الأول المقبل، ما يجعل الأسابيع المقبلة حاسمة لجهة إمكان التوصّل إلى مقاربة وسطية.
التداعيات
لكن، ماذا لو فشلت الأطراف في التوصّل إلى اتفاق؟ حينها، تعود القرارات الستة السابقة الصادرة عن مجلس الأمن، والتي صودِق عليها بين عامَي 2006 و2010، لتُفرض مجدّداً، وتدخل إيران تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات اقتصادية وأمنية ثقيلة.
اقتصادياً، ستكون جميع الدول مُلزَمة بتطبيق قيود مجلس الأمن، إلى جانب العقوبات الأميركية الأحادية المفروضة؛ وهو ما من شأنه أن يؤدّي إلى إغلاق المسارات التجارية الرسمية مجدّداً، وإحداث تراجع شديد في صادرات النفط والغاز الإيرانية، وتقييد النفاذ إلى النظام المصرفي الدولي، والتسبب بانكماش الاستثمارات الأجنبية، وظهور صعوبات أشدّ حتى في استيراد السلع الأساسية والتكنولوجيا. وفي ضوء هكذا ظروف، فإن أسعار التبادل الخارجي سترتفع، ويتعرض سعر صرف العملات الأجنبية والتضخم لصدمات جديدة، ويزداد الركود حدّة، في حين تصبح إمكانية الالتفاف على العقوبات، أكثر صعوبة من ذي قبل.
لا تعني عودة العقوبات نهاية الدبلوماسية بالضرورة
ومن الناحية الأمنية، يعني دخول إيران تحت البند السابع، ظهورها، دولياً، كـ«تهديد للأمن الدولي»، وهو ما قد يفتح الباب أمام تصعيد الإجراءات العسكرية والأمنية ضدّها، ولجوء الدول إلى تحالف بحري للحدّ من حركة النقل البحري للسفن وناقلات النفط المملوكة لإيران. كما يمكن لهذا الأمر أن يوفّر ذريعة جديدة للولايات المتحدة وإسرائيل للقيام بعمل عسكري جديد ضد الجمهورية الإسلامية.
الردّ الإيراني
وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف سيكون الردّ الإيراني؟ في حال تفعيل «آلية الزناد» وعودة عقوبات الأمم المتحدة على إيران، من المُرجّح أن يظهر أول ردود الفعل في الميدان السياسي والقانوني، حيث تسعى طهران إلى إظهار عدم شرعية هذا الإجراء، بالاستناد إلى البيانات والمراسلات الرسمية مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وإلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعدم التزام أوروبا بتعهداتها. ورغم أن هذا الطرح قد يحظى بدعم روسي وصيني، إلّا أن ثقله القانوني لن يكون قادراً على إيقاف مسار العقوبات.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، من المُرجّح أن تعمد إيران إلى توسيع شراكاتها مع روسيا والصين وبعض الدول الآسيوية، عبر اتفاقيات ثنائية وتجارة مقايضة بالعملات المحلية، كمسارات بديلة لمواجهة القيود المالية والمصرفية. كما قد تتجه إلى الانضمام إلى تحالفات إقليمية واستراتيجية خارج الفلك الغربي، لتؤكد استحالة تطويقها بالكامل. وفي المجال النووي، قد ترفع طهران سقف المواجهة عبر التخلي عن ما تبقّى من القيود المفروضة على برنامجها، وزيادة معدّلات تخصيب اليورانيوم، أو تقييد عمليات المراقبة التي تقوم بها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ومن شأن خطوة كهذه أن ترفع الكلفة السياسية على الغرب، وتعيد الملف النووي إلى أروقة مجلس الأمن مجدّداً، باعتباره يشكّل «تهديداً للسلْم والأمن الدوليين».
أما داخلياً، فستلجأ الحكومة إلى تعبئة الرأي العام، وإقناعه بأن الضغوط الناجمة عن «آلية الزناد» هي نتيجة لـ«نكث الغرب بعهوده»، وأن مقاومة هذه الضغوط هي جزء من الاستراتيجية الوطنية. وقد يترافق ذلك مع تكثيف سياسة الاقتصاد المقاوم والتركيز على الإنتاج الداخلي وإدارة مصادر العملية الأجنبية والتجارية بشكل أكثر شدة. ومع هذا، فإن الضغوط الاقتصادية والتضخمية الناتجة من العقوبات المتعددة الأطراف، يمكن أن تثير تحديات هائلة أمام قدرة الحكومة على احتواء التذمّر المجتمعي.
وعلى أي حال، لا تعني عودة العقوبات نهاية الدبلوماسية بالضرورة؛ إذ أظهرت التجربة السابقة أن كل موجة تصعيد كانت تنتهي إلى العودة إلى طاولة التفاوض، خصوصاً أن كل الأطراف تدرك أن استمرار الطريق مسدوداً، ينطوي على أثمان أمنية واقتصادية وسياسية جسيمة. وهكذا، فإن إعادة فرض العقوبات ستعيد الملف النووي إلى ما قبل اتفاق 2015، حين كان المجتمع الدولي يعبّر عن قلقه ومخاوفه من توسّع نطاق الأنشطة النووية الإيرانية.
لكنّ الفارق الأساسي بين اليوم وعام 2015 هو أن انعدام الثقة تعمّق أكثر، فيما تبدّلت الظروف الجيوسياسية عالمياً. لذلك، إن تبلورت عملية دبلوماسية جديدة، فمن المرجّح أن تكون أطول من «اتفاق شامل وسريع» وأكثر تعقيداً.




