شؤون دولية

إلى أي حدّ يمكن أن تؤثر التحديات الاقتصادية على إعادة إعمار ليبيا؟

دفعت التحديات الاقتصادية التي تمر منها ليبيا، التي حذَّر منها المصرف المركزي، الأسبوع الماضي، عدداً من السياسيين والمتابعين، إلى التساؤل حول مدى تأثير ذلك على عمليات إعادة الإعمار الجارية في شرق وغرب البلاد.

وكان «المركزي» قد أكد اتساع حجم الإنفاق الحكومي في ليبيا خلال العام الماضي إلى 224 مليار دينار، معلناً اضطراره إلى خفض سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية.

وتقدم 60 عضواً برلمانياً في بيان برؤيتهم لمعالجة الأزمة، عبر حزمة من الإصلاحات، تصدرها «وقف التنافس السياسي في مشاريع الإعمار بين شرق ليبيا وغربها». وفي هذا السياق، أعرب عضو مجلس النواب، عمار الأبلق، وهو أحد الموقعين على البيان، عن قناعته بضرورة «إيقاف إبرام أي عقود تتعلق بإعادة الإعمار؛ لحين تكشّف حقيقة الوضع المالي والاقتصادي للبلاد؛ ومراقبة سعر النفط في الأسواق العالمية».

وقال الأبلق لـ«الشرق الأوسط» إن «أفرقاء الأزمة الليبية في شرقها وغربها تعاقدوا على مشاريع إعادة إعمار داخل مناطق سيطرتهم؛ استهدفت في الأغلب تعزيز نفوذهم السياسي هناك؛ وبالتالي فإنهم يتحملون مسؤولية هذا الإنفاق الموسع»، معتبراً أن الحل يتمثل في «إقرار ميزانية موحدة لعموم ليبيا؛ على أن يتم تخفيض مخصصات الباب الثالث بها المتعلق بالتنمية؛ الذي يتم التنازع عليه بين قيادات الحكومتين لتوظيفها في ملف الإعمار». وأنه من «الأفضل توجيه مبالغ محدودة للبلديات لتنفيذ مشاريع آنية تحتل أولوية، مثل إصلاح الطرق، والبنية التحتية، وبناء المدارس والمستشفيات».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى في طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن جنوب البلاد، ويرأسها أسامة حماد.

ومنذ توقف الحرب بين «الجيش الوطني» والقوات التابعة لحكومة طرابلس منتصف عام 2020، لم يتوقف الحديث عن ملف إعادة إعمار ليبيا المجمد منذ إسقاط نظام القذافي عام 2011، إلا أنه اتخذ منحى تصاعدياً بعد إعصار درنة في سبتمبر (أيلول) 2023.

وفيما يتعلق بمشاريع الإعمار الجارية، توقع الأبلق استمرارها، وأرجع ذلك «لتضمينها في ميزانية العام الماضي، وتحويل المصرف المركزي المخصصات المالية للجهة المشرفة على تنفيذها، سواء حكومة الوحدة بالغرب، أو صندوق التنمية وإعادة الإعمار في ليبيا».

ووفقاً لعدد من النواب، فإنه يجري الآن العملُ على استدعاء رؤساء المؤسسة الوطنية للنفط، وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية للجلسة البرلمانية التي ستعقد، الثلاثاء المقبل، والتي دعي إليها محافظ المصرف المركزي.

بالمقابل، رأى عضو مجلس النواب، المهدي الأعور، أن تقليص الإنفاق العام يتحقق بتخفيض عدد السفارات والبعثات، التي تمثل عبئاً على الدولة، و«ليس بإيقاف مشاريع إعادة الإعمار، التي سيكون لها مردود إيجابي ينعكس على وضع الليبيين مستقبلاً».

وشدد الأعور على أن مسار الإعمار في ليبيا «يدعم ترسيخ الاستقرار، وعدم العودة للعنف والفوضى الأمنية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قد لا يكون من الحكمة إيقافه تخوفاً من تراجع سعر الدينار، الذي قد يتحسن إذا باشرنا قرارات ومعالجات اقتصادية سليمة».

وأبدى الأعور تفهمه لما يطرحه مراقبون وخبراء من تحذيرات حول الوضع المالي، معتقداً أن «الحل يتمثل في إنهاء أوجه الصرف غير المبررة؛ كالتوسع في شراء سيارات للوزارات؛ والعمل على مراجعة ملف ضخم كمبادلة النفط بالوقود».

ونوه الأعور إلى ضرورة «توجيه مسار الإعمار إلى المشاريع ذات الأولوية الوطنية؛ ووفقاً لرؤية وتقدير رؤساء المؤسسات المالية، كالمصرف المركزي ومؤسسة النفط»، معتبراً أن تشكيك رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، فيما يتم إنجازه في ملف الإعمار بشرق ليبيا وجنوبها «يأتي في إطار المناكفة والخصومة السياسية».

من جانبه، دعا الباحث بـ«المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، جلال حرشاوي، البرلمان، «لتقدير التحديات الراهنة، واتخاذ قرار بإيقاف عقود الإعمار في عموم ليبيا». وقال إن «تكلفة ما أنفق على مشاريع الإعمار في البلاد أقل بكثير مما رصد في بيان المصرف المركزي حول الإنفاق العام».

ومنذ إصدار البرلمان قراراً بإنشاء صندوق التنمية، وإعادة إعمار ليبيا وتعيينه بالقاسم حفتر رئيساً له، دأب الدبيبة على التلميح إلى غياب الرقابة على المشروعات التي ينفذها، بالإضافة إلى إعفاء تعاقداته من الخضوع للأجهزة الرقابية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى