إلتباسات الحوار المقصودة: كلٌ على موقفه.
كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن.
ليست المرة الأولى التي تتراكم فيها الضغوط الخارجية من أجل تسريع إنهاء الشغور الرئاسي، بحيث يتطلّع بعض الوسط السياسي اللبناني إلى أن يعطي الحراك الجاري حالياً نتيجة وأن تؤتي هذه الضغوط ثمارها هذه المرة، خلافاً لما حصل في محطات عديدة سابقة انتهت إلى الخيبة والفشل.
ولطالما حفلت الأشهر العشرة المنصرمة بالضغوط الخارجية حيث يسعى اللاهثون وراء أي فرصة تلوح لإحداث اختراق في الجمود يسمح بإخراج البلد من الشلل القاتل الذي يعيشه. فزيارات الموفدين الدوليين والعرب الذين عبّدوا الطريق إلى لبنان قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول 2022، وبعده، يصعب إحصاؤها. والاجتماعات الدولية والإقليمية التي انتهت بقرارات في شأن الأزمة السياسية اللبنانية تحث الفرقاء على أن ينتخبوا رئيساً «من دون إبطاء»، تملأ مئات الصفحات إذا شاء المرء تعدادها، من دون أن تتوصل إلى نتيجة.
يتسلّح البعض بإشارات تتيح المراهنة على تقدم في جهود إنهاء الفراغ الرئاسي هذه المرة انطلاقاً من إبداء رئيس البرلمان نبيه بري مرونة في دعوته إلى الحوار، وفي استعداده من أجل الدعوة، فور انتهاء الحوار، إلى جلسة نيابية بدورات انتخابية متتالية لاختيار رئيس الجمهورية، حسبما تبلغت «كتلة الاعتدال الوطني» منه أول من أمس. وبقيت الاتصالات دائرة حول مسألة ضمان عدم إسقاط نصاب الثلثين في الدورة الثانية من الاقتراع التي اقترح النائب غسان سكاف أن تشمل الدعوة إلى الحوار ومعها إلى جلسة الانتخاب، دفعة واحدة.
فمعظم القوى السياسية، حتى تلك التي تتجاوب مع مبادرة بري، يعتقد بأنّ النقطة المتعلقة بضمان استمرار النصاب تُركت ملتبسة وبقيت كذلك. وهي سبق أن بقيت غامضة خلال زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في 25 تموز الماضي. إذ سئل من قبل أحد النواب في حينها، عما إذا حصل على ضمانات من «حزب الله» وحلفائه حول ضمان عدم إسقاط النصاب في الدورة الثانية من جلسة انتخاب الرئيس التي يفترض أن تُعقد بعد جلسات الحوار التي كان اقترحها فلم يملك جواباً شافياً للسائل.
وفي كل الأحوال فإنّ أوساط «الثنائي الشيعي» ترد السؤال إلى فريق المعارضة وخطابه المتشدد في رفض وصول المرشح الذي يدعمه الرئيس بري و»حزب الله» وحلفاؤهما، والمجاهرة بنية إسقاط نصاب الثلثين في الدورة الثانية، في حال تمكن رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من جمع أكثرية 65 صوتاً. بل تسأل أوساط الثنائي: من الذي سيجرؤ على إسقاط النصاب في حال حصل توافق على إسم الرئيس بنتيجة الحوار الذي يفترض أن يتم؟ بل أنّ هذه الأوساط تطالب فريق المعارضة بأن يطرح مسألة النصاب خلال جلسات الحوار، لتتم مناقشتها أثناءه. فبري ينتظر اكتمال الأجوبة من أجل أن يحدد تاريخاً لانعقاده، وفي ضوئه تاريخاً لدعوة البرلمان إلى الانتخاب.
النقاط الملتبسة في الدعوة إلى الحوار ما زالت بلا توضيحات، أو أجوبة شافية، وهذا المقصود. ومنها: هل سيدعو بري إليه بمن حضر؟ أم سيصرف النظر عن الدعوة إذا بقي فريقان رئيسيان هما حزبا «القوات اللبنانية» و»الكتائب» وعدد من النواب التغييريين والمستقلين على رفضها؟ بل أن فريقاً مسيحياً وازناً آخر هو «التيار الوطني الحر» أبلغ قيادات المعارضة بأنه لم يحسم أمر تلبية الدعوة إذا تم توجيهها رغم موقفه المبدئي المرحب بالحوار الذي صدر عنه في هذا الصدد. وفي حال طرح «التيار» شروطاً، تستبعد أوساط نيابية أن يقدم بري على الدعوة.
بعيداً من التصريحات المشككة بالدعوة إلى الحوار، وعن الحملات التي يشنها الإعلام الممانع ضد رافضيه، أفرزت مبادرة بري، انطباعاً بأنّ فريقه يبادر إلى اقتراح المخارج إزاء الجمود، يمكنه من الزعم بأنه قدم مخارج رفضها الآخرون، وتسبب بخلافات وتباينات بين خصوم «الثنائي» وبين بعضهم وبين رأس الكنيسة المارونية التي دعت إلى حوار بلا شروط ثم عادت فركزت على أولوية انتخاب الرئيس.
أمّا في الجهة المقابلة فقد عادت مبادرة بري ورفعت مجدداً منسوب التنسيق والتفاهم بين قوى المعارضة، بدءاً بالاتفاق بين الأحزاب المسيحية و»اللقاء الديموقراطي» برئاسة النائب تيمور جنبلاط، وأعادت التواصل بين هذه القوى وبين «التيار الحر». وانتهت كل اللقاءات إلى تثبيت أطراف التقاطع كافة بلا استثناء مواصلة دعمها ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، في شكل يحول دون أي انتقال لأي كتلة نيابية من ضفة إلى أخرى.