
حسين زلغوط – خاص “رأي سياسي”:
في اطار الاتفاق غير المعلن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على التعاون في سبيل تحقيق ما هو مطلوب من الحكومة من اصلاحات يعتبرها المجتمع الدولي الممر الإلزامي لمساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية، يلتئم مجلس النواب بهيئته العامة قبل ظهر اليوم لدرس وإقرار جدول أعمال زاخم بالمشاريع وإقتراحات القوانين المالية المهمة، و يأتي في مقدمتها مشروع قانون “السرية المصرفية” الذي أحالته الحكومة إليه، وأقرته اللجان المشتركة، وبذلك يكون المجلس أعطى الحكومة جرعة دعم عن طريق الوفد اللبناني المشارك في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، كون أن هذا المشروع هو، أحد الشروط الأساسية المفروضة من صندوق النقد الدولي، ويعد جزءاً مهمًا من رزمة الإصلاحات الضرورية لمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية، وهو يمكّن مؤسسات مكافحة الفساد من الوصول إلى البيانات المصرفية للأفراد المشتبه بتورطهم في قضايا فساد، بما في ذلك تحويلات الأموال التي قامت بها الشخصيات السياسية والتجارية والمصرفية إلى الخارج خلال الأزمة المالية.
ومن خلال المعطيات المتوافرة فإن الشق المالي من الجلسة سيناقش تحت سقف الرغبة النيابية في مساعدة الحكومة والوقوف الى جانبها في عملية التفاوض مع صندوق النقد، والبنك الدولي لجلب المساعدات، في ظل ربط الدعم المالي بالاصلاحات، على عكس اقتراحات قانون تتعلق بالبلدية ومنها اقتراح تعديل بعض احكام البلديات والنصوص المتعلقة ببلدية بيروت، حيث تعرب مصادر نيابية عن اعتقادها بأن مناقشات هذه الاقتراحات ستكون صاخبة نوعًا ما.
وفي دلالة واضحة على أهمية ما سيقره المجلس النيابي من إقتراحات قوانين أكد وزير المالية ياسين جابر الموجود في واشنطن على “أهمية إقرار قانون (السرية المصرفية) لأنه يعطي دفعة دعم للوفد اللبناني المشارك في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن”.
وتأتي أهمية إقرار تعديل قانون السرية المصرفية من كون ان هذا النظام المصرفي في لبنان كان يشكل غطاءً لمن يريد القيام بعمليات تبييض الأموال، وقد تمتع هذا النظام بمزايا تُسهل القيام بعمليات تبيض الأموال والتهرب الضريبي، مثل الاستعمال الكثيف للنقد الأجنبي والتحويل دون قيد أو شرط وتجيير الشيكات عدة مرات والإيداع النقدي دون ضوابط وإمكانية فتح حسابات مصرفية مُرقمة.
لكن هناك ايجابيات ايضا لنظام السرية المصرفية في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وتشجيع الاستثمار، وتوفير الثقة بالائتمان المصرفي.
وللإضاءة على قانون سرية المصارف في لبنان فإنه صدر بتاريخ 3 أيلول 1956. بموجب هذا القانون، تلتزم المصارف في لبنان السرية المطلقة، حيث لا يمكن كشف الحساب المصرفي للجهات الخاصة أو السلطات العامة، سواءٌ أكانت قضائية أم إدارية أم مالية أم عسكرية إلا في حالات معينة وردت حصراً في هذا القانون. إن السرية المصرفية التي طُبقت في لبنان بموجب قانون 3 أيلول 1956 كانت من أكثر أنواع السرية المصرفية المُطبقة في العالم شمولاً وإطلاقاً، بحيث أجبر هذا القانون المصارف اللبنانية على كتمان السر المصرفي لمصلحة العملاء بصورة مُطلقة، وجعل هذا القانون إفشاء السر المصرفي عمداً جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. استفاد لبنان من اعتماد السرية المصرفية، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي كانت سائدة في تلك الفترة، وسُمّي «سويسرا الشرق»، وحظي بمكانة مالية واقتصادية استثنائية جعلت منه ملاذاً آمناً للرساميل الأجنبية الهاربة من عمليات التأميم التي شهدتها القطاعات المالية والإنتاجية بعد ثورات مصر والعراق وسوريا لتحتمي بالنظام المصرفي اللبناني الجديد الذي وفّر حرية حركة رؤوس الأموال والسرية المطلقة بالإضافة إلى المزايا الضريبية.