إفريقيا والتحديات الضائعة
كتب محمد خليفة, في “الخليج” :
إن أخطر ما تواجهه الشعوب الإفريقية هو الفتن التي تعانيها داخلياً، إضافة إلى حالة الانقسامات التي تهدد وجودها منذ سنوات، ما يؤدي إلى اشتعال الحروب الأهلية التي تعصف باستقرار وأمن أكثر من دولة إفريقية، وقبل كل ذلك أطماع الدول الكبرى في الهيمنة على ثروات تلك الدول، عبر الشركات الغربية.
وقد تركت الصراعات والمعارك آثاراً كثيرة في تدمير الأوطان والبشر؛ فالعنف المستشري في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، أدخل الجميع في أتون العنف، ومتوالياته الخطرة، لا خروج من دوامتها إلا بشقّ الأنفس. هذه المتوالية من القطيعة بين الدولة، كمؤسسة، والمجتمع في كل المجال الإفريقي وتصادم خياراتها ومشروعاتها من العوامل الأساسية التي تسهم في تعطيل النهوض والتنمية، والإغراق في مزيد من الفقر، والجهل، والديون. فعلى الرغم من تصنيف قارة إفريقيا دولياً كأكثر قارات العالم فقراً، لكنها في الوقت نفسه، أكثر القارات غنى بالمصادر الطبيعية، السطحية أو الباطنية، فهي تقع في معظمها على خط الاستواء وفي المناطق المدارية، وفيها مساحات ضخمة من الغابات، إضافة إلى المحيطات التي تحيط بها، شرقاً وغرباً وجنوباً.
فهذه القارة، المصنفة كأفقر قارة في العالم، تتصدر قارات العالم في إنتاج البن، والكاكا،و والكاسافا، «البطاطا الحلوة»، وفول البلاذر، والقرنفل، ونواة النخيل، والفانيليا، والصمغ، وغير ذلك. وفيها 60 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، كما أنها تملك ثروات معدنية وغير معدنية كبيرة، فهي تمتلك 90 في المئة من احتياطيات المواد الخام، وفيها نصف احتياطي العالم من الذهب، وأكثر من ثلث احتياطي العالم من الماس، و60 في المئة من احتياطي العالم من الكوبالت، كما أنها غنية بالمنغنيز، والحديد، والخشب، وفيها 12 في المئة من احتياطي العالم من النفط والغاز، كما تملك شواطئ غنية بالموارد السمكية، وسوى ذلك من الثروات الأخرى الكثيرة.
ومن المؤسف، رغم كل هذه الثروات، إلا أن معظم شعوب القارة تعاني الفقر، والمجاعات، والأمراض، وانتشار الأوبئة والجهل، والسبب الرئيسي في هذه المآسي يعود إلى مرحلة الاستعمار الأوروبي الذي شوّه تاريخ القارة، وغيّر تضاريسها عبر تقسيمها إلى محميات خاصة بكل دولة مستعمرة، فكانت بلجيكا، رغم صغر مساحتها، تستعمر الكونغو الديمقراطية، وراوندا، وبروندي، أما البرتغال، وهي أيضاً دولة صغيرة في أوروبا، فقد كانت تستعمر ست دول إفريقية، وهي: أنغولا، والرأس الأخضر، وغينيا بيساو، وموزامبيق، وساو تومي وبرينسيب، أما إيطاليا فاستعمرت: ليبيا والحبشة، وجزءاً من الصومال، وألمانيا استعمرت: الكاميرون وناميبيا ورواندا وتنزانيا وتوغو، وأوغندا وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وغابون وغانا وكينيا وموزامبيق ونيجيريا. ومن ثم آلت تلك المستعمرات إلى كل من بريطانيا وفرنسا بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وكانت الدولتان الأخيرتان هما الأكثر حيازة للمستعمرات في إفريقيا.
وقد استقلت تلك الدول، في النصف الثاني من القرن الماضي، على الحالة التي صارت عليها، ولما كان ترسيم الحدود بينها من قبل الدول المستعمرة، لم يراعِ مصالح الشعوب، فقد اشتعلت الحروب العديدة في إفريقيا بسبب تلك القنابل الموقوتة على الحدود المتنازع عليها، كما أن عدم اهتمام المستعمر بتثقيف تلك الشعوب أدى إلى انتشار الجهل والأمية. وقد أسهمت الحكومات التي تولت الحكم في أغلبية دول إفريقيا، والتي صُنعت على عين المحتل الذي لم يغادر إلا بعد أن ضمن ولاء البلاد المحررة لها بعد تكبيلها بالمعاهدات والاتفاقات، في تكريس الفقر والتخلف بسبب عدم اهتمامها بمصالح شعوبها.
ومع حدوث موجة من الانقلابات في دول مثل: بوركينا فاسو، والنيجر، والغابون، فقد بدا كأن ما حدث هو ثورات جديدة من قبل نخب جديدة تطمح إلى إحداث تغيير حقيقي في واقع شعوبها، خصوصاً أن تلك الانقلابات كانت متصادمة مع مصالح الدول الاستعمارية السابقة، عبر الإطاحة بذيولها التي تركتها لتنفيذ سياساتها، وإقناع شعوب تلك القارة بحصولها على استقلالها، وإن كان استقلالاً شكلياً. وهذا ربما يدل على أن النخب الجديدة تريد القيام بتغييرات جذرية والانطلاق بسياسات جديدة، وبما ينفع شعوبها.
ويرى عدد من المحللين أنه لا يمكن النظر إلى تلك الانقلابات بمعزل عن الواقع العالمي الراهن؛ حيث توجد دول جديدة صاعدة تعمل على بسط نفوذها السياسي، تمهيداً للعب دور أكبر في المستقبل لتصبح إحدى القوى العظمى في العالم، وهذه الدول تعمل على منافسة دول الغرب؛ بل تسعى إلى إزالتها عن مواقعها وإسقاطها، وفي هذا الصدد فقد توسع النفوذ الصيني على المستوى الاقتصادي كثيراً في إفريقيا، كما أن روسيا عملت أيضاً على مد جسور التعاون مع دول القارة، وتلعب جمهورية جنوب إفريقيا دوراً في تعميق الهوية الإفريقية، وخلق واقع إفريقي جديد من خلال جمع الدول الإفريقية حولها، باعتبارها دولة صنعت مصيرها بعد كسر النظام العنصري الذي كان قائماً فيها، وإقامتها نظاماً ديمقراطياً، وهي أحد أعضاء تجمع «بريكس». ومع اجتماع كل من الصين وروسيا معها في الاستراتيجية نفسها، فإنها قد تنجح في مساعيها، وربما تتغير إفريقيا نحو الأحسن، وهذا ما نرجوه من أجل مستقبل شعوبها، ورفاهيتها.