إعلان بكين.. يكسر جمود 17 عاماً
كتبت خلود محمود, في “الخليج”:
أعلنت الخارجية الصينية في 20 يوليو/تموز الماضي، توقيع الفصائل الفلسطينية ال14 «إعلان بكين»، وهو اتفاق تم بوساطة صينية يهدف إلى توحيد الفصائل الفلسطينية، وحل الانقسام الداخلي لتعزيز الوحدة الفلسطينية، ما يمثل خطوة جديدة في محاولة حل الانقسام الذي دام 17 عاماً. تضمن الإعلان تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات عامة خلال 6 أشهر، إلى جانب إصلاحات سياسية واقتصادية. ولكن هل ستنجح الوساطة الصينية في تحقيق الوحدة الفلسطينية أم ستكون مثل المحاولات السابقة التي باءت بالفشل؟
شهدت القضية الفلسطينية محاولات عديدة سابقة لحل الانقسام بين الفصائل، أبرزها اتفاق مكة في عام 2007، الذي وقع بين حركتي فتح وحماس برعاية سعودية، وعلى الرغم من التفاؤل الأوليّ، فإنه سرعان ما انهار الاتفاق بسبب الخلافات السياسية والأمنية بين الفصيلين، ما أدى إلى استمرار الانقسام. وفي عام 2011 وقع الفصيلان اتفاق القاهرة برعاية مصرية، وتضمّن تشكيل حكومة وحدة وطنية وتنظيم انتخابات. لكن الاتفاق لم ينفّذ بالكامل بسبب استمرار الشكوك وعدم الثقة بين الطرفين، فضلاً عن الضغوط الخارجية. مرة أخرى، تكررت المحاولات في 2012 برعاية قطرية، ثم باتفاق الشاطئ، وفي 2017 برعاية مصرية، ولكن جميع تلك المحاولات لم تنجح في إنهاء الانقسام بشكل كامل ودائم.
ولكن يبدو أن «إعلان بكين» قد يختلف عن المحاولات السابقة في عدة جوانب:
- أولاً، يأتي الإعلان في سياق دولي جديد؛ حيث تسعى الصين جاهدة لتعزيز دورها كقوة عالمية وسيطة في حل النزاعات الدولية. لذلك مارست الضغط على الأطراف المتنازعة للالتزام بتعهداتهم.
- ثانياً، تضمن إعلان بكين تفاصيل واضحة وإجراءات محددة بمدة زمنية معينة، مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات عامة. ومقارنةً بالمحاولات السابقة التي افتقرت إلى جداول زمنية، فإن هذا الالتزام الزمني المحدد من شأنه أن يعزز فرص تنفيذ الاتفاق.
- ثالثاً، يتزامن الإعلان مع التغييرات في الديناميكيات الإقليمية والدولية؛ مثل تراجع النفوذ الأمريكي التقليدي بالمنطقة، ما قد يتيح فرصة جديدة لتحقيق تقارب بين الفصائل.
هنالك ثلاثة سيناريوهات متوقعة تتعلق بتداعيات إعلان بكين:
- السيناريو الأول: ينجح الإعلان في تحقيق وحدة فعليّة بين الفصائل الفلسطينية، ما يعزز من الموقف الفلسطيني في المفاوضات الدولية، ويسهم في تحقيق تقدم ملموس نحو السلام. هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية وتعزيز الاستقرار.
- السيناريو الثاني: قد يواجه الإعلان تحديات كبيرة تجعل من الصعب تحقيق الوحدة الوطنية الفعلية، وذلك بسبب الخلافات الداخلية والتدخلات الخارجية التي قد تعرقل تنفيذ الاتفاق، ما قد يؤدي إلى استمرار الانقسام والصراع الداخلي. هذا السيناريو قد يؤثر سلباً في الوضع الفلسطيني، ويعوق تحقيق أي تقدم نحو السلام.
- السيناريو الثالث: قد تتمكن الفصائل الفلسطينية من تحقيق توازن دقيق بين التعاون والوحدة، مع الحفاظ على بعض الاستقلالية في إدارة شؤونها الداخلية. هذا السيناريو سيتطلب دبلوماسية حذرة وقدرة على المناورة السياسية لتحقيق أقصى استفادة من التوافق لتجنب الوقوع في فخ الخلافات.
في حال نجاح إعلان بكين في تحقيق الوحدة، فسيكون لذلك تأثيره الإيجابي الكبير في القضية الفلسطينية؛ حيث إن الوحدة الوطنية ستعزز قدرة فلسطين على التفاوض بقوة في المحافل الدولية، ما قد يزيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، يمكن للوحدة أن تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الأمن والاستقرار في الأراضي الفلسطينية.
ومع ذلك، قد تواجه الوحدة الوطنية تحديات سلبية، مثل زيادة التوترات مع بعض القوى الإقليمية والدولية التي ترى في الوحدة الفلسطينية تهديداً لأمنها ومصالحها، وقد تكون هناك صعوبات في دمج القضايا الأمنية والإدارية بين الفصائل الفلسطينية، ما يؤدي إلى تعميق النزاعات الداخلية واستمرارها.
إعلان بكين بشأن توحيد الفصائل الفلسطينية يمثل خطوة استراتيجية مهمة في مسار القضية الفلسطينية. التحديات كبيرة، لكن الفرص التي يقدمها هذا الإعلان يمكن أن تسهم في تحقيق الوحدة الوطنية، وتحسين الوضع الفلسطيني على مختلف الصعد.
إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاوناً جاداً وإرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية.