رأي

إعترافات لودريان وتعليق الدستور.

كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن.

أفصح الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عن الكثير في تصريحاته الصحافية في الأيام الماضية، في شكل يؤشّر إلى ازدراء الموقف الغربي لبعض الطبقة السياسية اللبنانية، ويكشف كم أنّ هناك من يتعاطى مع مسألة الفراغ الرئاسي القاتل، بألاعيب مكشوفة.

في توصيفه لصِغَر ووضاعة المناورات التي يقوم بها البعض إثر ثلاث جولات من اللقاءات مع رؤساء الكتل وقبلها زيارات قام بها حين كان وزيراً للدفاع ثم للخارجية، اضطر لودريان إلى قول الحقيقة التي يعرفها المراقبون للشأن السياسي اللبناني بوضوح، وهي أنّ معظم السياسيين في حالة «إنكار» لواقع المأزق.

أقرّ الموفد الرئاسي الفرنسي لـ»أوريان لوجور» بأنّ البعض «يعيش في وهم أنّ الاغتراب اللبناني والثروة الغازية المستقبلية غير المعروف عنها الكثير حتى الآن، سيمكّنان لبنان من تعويم الوضع المالي». فهو مثل غيره من الموفدين الدوليين استنتج أن لا استعداد لدى القوى السياسية النافذة لتقديم التنازلات عن الاستئثار بمفاصل السلطة من أجل جني الأرباح منها، ومن أجل استخدام موارد الدولة لمصلحة الزبائنية التي يمارسونها في العلاقة مع جمهورهم، الذي لا مجال إلا لاستنفاره عبر الغرائز الطائفية والمذهبية لضمان استمرار تربعهم على عرش الزعامة، بالتوازي مع تقديم فتات الخدمات التنفيعية للموالين، وربط معيشة الناس بما يقدمه الزعماء عبر الانتقائية والفئوية في تقديم الخدمات.

معظم الموفدين الدوليين ومنهم لودريان وصلوا إلى الحقيقة المرّة بأن لا استعداد لدى القوى النافذة لإجراء الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد وفي القوانين التي ترعى الوضع المالي. فالمطلوب إبقاء القدرة على الغرف من خزينة الدولة ومن المساعدات التي تحصل عليها في حال جهوزية تامة. وهذا سبب كافٍ لاستمرار التدهور في الوضع الاقتصادي.

ومع أنّ هؤلاء، ومعهم صندوق النقد الدولي باتوا يدركون أنّ كافة الوعود التي يسمعونها من أصحاب الشأن بنيّة تطبيق الإصلاحات ليست سوى كذبة كبيرة، وبأن لا نية فعلية لدى هؤلاء لإبرام اتفاق مع الصندوق نتيجة قرار ضمني مسبق من قبل هذه القوى النافذة في السلطة، يشمل المناورة والمداورة للظهور بمظهر السعي لتعديل الممارسات السابقة، فإنّ لودريان والدول الخمس التي يتحرّك باسمها، ومنها الجانب القطري، ما زالوا يراهنون على تسوية داخلية تنهي الفراغ الرئاسي.

حين حرص على القول «بصفتي موفد الرئيس» إنّ «أي واحد من الترشيحين الحاليين للرئاسة (سليمان فرنجية وجهاد أزعور) لا يمكنه أن يؤدي إلى التسوية»، أراد لودريان قطع الطريق على رواج التسريبات بأنّ ثمة من يستمر في دعم ترشيح رئيس «تيار المرده» في الإدارة الفرنسية.

لم يكن لودريان وحده من أراد تبديد التكهنات اللبنانية حول الخلافات داخل اللجنة الخماسية، فالأميركين فعلوا ذلك. واجتماعه أول من أمس بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بحضور الطاقم المعني بالشأن اللبناني قد يعاكس هذه التكهنات. اعتبر لودريان أنّ «الترويج لهذه الخلافات مصدره مروجون هدفهم اعتبارات تكتيكية واطية. الجميع سئم من كل ذلك، وقد يصبحون (اللاعبون المحليون) منبوذين من المجتمع الدولي فلا يجتمع أي مسؤول بهم ولن يستطيعوا الحصول على دعم من أي من الدول».

مع ذلك ورغم ترداده ما يقوله سائر الموفدين والوسطاء بأنّه «إذا لم يرد اللاعبون اللبنانيون التوصّل إلى مخرج لا يمكن فرضه عليهم»، والتلويح بسحب اليد من لبنان، يصعب إقناع اللبنانيين بأنّ سبب الفراغ الرئاسي داخلي، وأنّ تسوية إقليمية وتحديداً تفاهماً من الخماسية مع إيران، حول لبنان كفيلان بـ»فرض» انتخاب رئيس.

ما لم يقله لودريان نتيجة انغماسه ودول الخماسية، بالوساطات، إنّ تغييب الدستور والقانون في البلد هو الآفة الكبرى. فكل ما يجري هدفه التغطية على التهرب المقصود من تطبيق الدستور، تارة تحت شعار الحوار وأخرى بتعظيم مخاطر المؤامرات الخارجية التي لم ترقَ إلى مرتبة المؤامرة الداخلية على تعطيل القانون والدستور. فالدستور معلّق لمصلحة إقحام البلد في بازارات إقليمية. مقتضيات استتباع لبنان للتسويات الخارجية بتعليق تنفيذ أحكام الدستور لانتخاب الرئيس والتي توجب على النواب الاجتماع لهذا الغرض من دون وساطة فرنسية أو قطرية، هي التي تقود لإنكار الحقائق.

هكذا تغيب عن الشاشة بديهيات انتظام عمل مؤسسات الدولة، ويصبح اعتصام نائبين في مبنى البرلمان، نقيب المحامين السابق ملحم خلف ونجاة صليبا (التي علقت مبيتها في المبنى بعد طول انتظار) للمطالبة بتطبيق مواد الدستور وأحكامه الواضحة بقيام النواب بموجب انتخاب الرئيس، كأنّه حدث مطلوب التعتيم عليه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى