رأي

إعادة تقييم الاحتلال

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.

يعد قيام الغزو العراقي الغاشم في عام 1990 من أهم الأزمات، التي طالت الكويت وشعبها منذ نشأتها وحتى تاريخه، وهو حدثٌ عالميٌ كبير في حينها، وعلى الرغم من حجم وجسامة كارثة الغزو العراقي الغاشم في عام 1990، فإنه وحتى تاريخه لم يصدر عن الحكومات المتعاقبة منذ التحرير أي تقرير حكومي رسمي، يتضمن تقييماً جاداً للغزو وتبعاته، يحلل أسباب الغزو ومواطن الخلل، ويخرج بنتائج وتوصيات، من أجل ضمان عدم تكرار ما حدث من أسباب أدت للغزو الغاشم، أو يتجنّب مستقبلاً مخاطر وأزمات مماثلة، والاحتمال قائم بوجود مثل هذا التقييم، تم في بعض الجهات الحكومية، ولكن حتماً لم يطلع عليه الشعب أو يعلم بنتائجه، ومع أهمية التقييم لهذه التجربة التاريخية الأليمة، فإن الأمر لم يتم بشكل متكامل، على الرغم من المناداة الشعبية بذلك، ونستثني من ذلك التقرير اليتيم، والمعروف باسم لجنة تقصي الحقائق عن أسباب الغزو العراقي، الصادر من مجلس الأمة في عام 1995.

مناداتنا بعد كل هذه الفترة الطويلة بإعادة التفكير، والبدء بخطوات جادة لقراءة الماضي، والاستفادة من التجربة القاسية، التي مرت على الكويت وشعبها إثر الغزو الغاشم ثم التحرير، أمر مطلوب ومستحق في ظل الأوضاع القائمة الإقليمية والدولية، وكما يقول المثل «ما أشبه اليوم بالبارحة»، فالأجواء الإقليمية ملتهبة ومنذرة بالتصعيد، خاصة مع دول جوار كإيران والعراق، والوضع الأمني أكثر اشتعالاً في فلسطين ولبنان والسودان، ناهيك عن الوضع الدولي المضطرب سياسياً وأمنياً، بسبب تصارع القوى العظمى على مراكز النفوذ السياسي والاقتصادي، وتلك ظروف ومعطيات تتطلب جهداً كبيراً من الفهم والتعاطي، يتجاوز الجهود البسيطة التي عملت بها الحكومات الأخيرة. وعليه، فإن التقييم المطلوب القيام به، وفي ضوء التجربة التاريخية الأليمة السابقة، يسعى في أحد محاوره إلى رصد مدى استعدادات أجهزة الدولة في حال الأزمات والمخاطر، وخاصةً أن معطيات الغزو كشفت غياباً لأدوار مؤسسات الدولة وانهيار أنظمتها، وضعف جهوزيتها للتعامل مع أزمة الاحتلال الغاشم وتبعاته، وللاستعداد للمخاطر والأزمات دور مهم وحيوي مطلوب تداركه والقيام به على وجه السرعة، بل نحن متأخرون جداً عن القيام به، وللتدليل على ما سبق، فإنه معلوم ومشاهد أن دولة الكويت ليست لديها، وفقاً للمعايير الدولية، ملاجئ محصنة ومهيأة للحماية من آثار الحرب أو الأخطار، والملاجئ القائمة في الدولة قليلة جداً، وهي لا تغطي أعداد الشعب الكويتي، ناهيك عن الوافدين. ومن جانب آخر، فان التقييم المطلوب من شأنه أن يسلّط الضوء على جانب آخر لا يقل أهمية عما سبق ذكره، وهو طريقة تعاطي الشعب الكويتي مع الغزو العراقي الغاشم، فعلى الرغم من الملاحظات والتحفظات لدى العديد من أفراد الشعب على أداء الحكومات ما قبل قيام الغزو، فإن الشعب تسامى على تلك الخلافات في تلك الفترة الحرجة، مقدماً هدف التحرير على ما سواه، مؤمناً بوحدة الصف والمصير، داعماً الشرعية الدستورية، مقدماً الشهداء والأسرى والجهود الجبارة من أجل عودة الكويت لشرعيتها وأهلها، ومن أبرز صور ذلك انعقاد المؤتمر الشعبي في جدة بالمملكة العربية السعودية، وما انتهى إليه من نتائج، تلك الوقفة التاريخية للشعب الكويتي، حاكماً ومحكوماً، أثناء الغزو، وصولاً للتحرير، تستحق التوقف والتقييم والإشادة، بل تستحق أيضاً أن يُعاد تفعيلها من جديد في ظل التحديات الكبيرة الداخلية والخارجية للكويت وشعبها، تلك الوقفة الشجاعة النبيلة من الشعب وحكامه من أجل الكويت وحريتها واستقلالها وديموقراطيتها في عام 1990، تتطلب من الجميع تقديم العمل الجماعي التعاوني على العمل الفردي، وتتطلب تبنّي وتعزيز مسار التوافق، في إطار من الحكمة للنهوض والتقدم للكويت وشعبها، والقيام بكل ما من شأنه إزالة نقاط الاختلاف والفرقة كافة من أي طرف، إن وجدت، قال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال: 46).

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى