رأي

إعادة بناء غزة ـ سعي مصر لجني مكاسب.. ما ثمن ذلك عند ترامب؟

كتبت ماجدة بوعزة في DW.

بعد 15 شهرا من الحرب، لا حديث اليوم في غزة إلا وارتبط بخطط إعادة الإعمار، بعد أن شهدت بنيتها التحتية أضرارا جسيمة، وتدمرت أكثر من 60 بالمئة من مبانيها. لقد خلف القصف الإسرائيلي على القطاع أكثر من 50 مليون طن من الركام الذي قد تستغرق إزالته 21 عاما، حسب تقرير للأمم المتحدة.

مقال تحليلي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أوضح أن إسرائيل تعارض مشاركة تركيا وقطر في إعادة إعمار غزة، بينما تعلق آمالها على مصر.

ما هي أوراق مصر في المنافسة الإقليمية على غزة؟
في رأي الخبير المصري عمرو سليمان، الذي يشغل منصب رئيس قسم الاقتصاد في جامعة حلوان، فإن “الحكومة المصرية لديها خبرة كبيرة جدا في هذا المجال، وشركات مصر لديها الإمكانيات المادية والبشرية المناسبة، كما أن تكاليف قيام مصر بإعادة الإعمار في قطاع غزة، ستكون منخفضة للغاية مقارنة مع باقي الدول، مما يسمح بأن يتم بكثافة وفي أسرع وقت”.

وأضاف المتحدث أن مصر لديها دوافعها الوطنية للإسهام في إعادة الإعمار، وتتعلق حسب سليمان بالإرادة السياسية والمصلحة الاقتصادية. موضحا في السياق ذاته أن مصر عانت من خسائر كبيرة بسبب هذا الصراع، خاصة فيما يتعلق بإيرادات قناة السويس. ويرى سليمان أن “الاستقرار السياسي في المنطقة في غاية الأهمية بالنسبة لمصر، كما أن الوقوف مع الشعب الفلسطيني موقف مصري تابث”.

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي، أشرف العشري مدير تحرير جريدة الأهرام، أن القرب الجغرافي يلعب دورا أساسيا في دخول المساعدات، ومواد البناء وبالتالي لا يوجد دولة أقرب من قطاع غزة أكثر من مصر، وهذا ما يجعل الدور المصري مركزيا بالتعاون مع المجتمع الدولي لإعادة الإعمار”.

كما أن “خبرة شركات مصر في إعادة الأعمار في مناطق غزة على مدار أكثر من 20 عاما، يعطيها كثيرا من المزايا في تولي الأمر، بعد إنشاء صندوق خاص، بعد التوافق على سلام دائم”، حسب العشري.

إعادة إعمار غزة: فرصة للاقتصاد المصري
يقدر تقرير للأمم المتحدة أن حوالي 1.8 مليون من سكان غزة أصبحوا الآن بلا مأوى. وتشمل الأولويات الفورية توفير الملاجئ، وتنظيم توزيع المساعدات الإنسانية التي بدأت تتدفق وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وإنشاء البنية التحتية المؤقتة للمياه والكهرباء.

كما أن الأضرار المباشرة التي لحقت بالبنية الأساسية بلغت 18.5 مليار دولار، مع تقدير تكاليف إزالة الأنقاض وحدها بنحو 1.2 مليار دولار. ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية لإعادة إعمار غزة 40 مليار دولار، وقد تمتد إلى عام 2040 أو ما بعده.

وفقا لتقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن غزة تمثل “أرض الفرص” بالنسبة لشركات قطاع البناء المصرية الكبرى، التي يمكن أن تنقذها من الركود الذي امتد طويلا بسبب الاضطرابات الاقتصادية في البلد، خاصة أن الدين الوطني صار حسب وصف تقرير هآرتس ثقيلا، ويبلغ اليوم 168 مليار دولار.

بالنسبة لرئيس قسم الاقتصاد في جامعة حلوان، عمرو سليمان، فإن ورش إعادة إعمار غزة يمثل فرصة مالية هامة جدا للشركات المصرية، وأن عائداته بالنسبة لهذه الشركات بعملة أجنبية مهم جدا. لكنه اعتبر في الآن ذاته، أن الشركات المصرية ليست في وضع اقتصادي متأزم.

وأشار المتحدث إلى أن شركات مصر “لديها معدات حفر متقدمة، أنشأت أنفاق تحت قناة السويس لأجل واحدة من أكبر شبكات مترو الأنفاق في المنطقة، واستغلال هذه المعدات في إعادة إعمار غزة سيكون أمرا إيجابيا، وسيتم الأمر بشكل سريع جدا فور صدور قرار سياسي، خاصة أن هذه الشركات لديها تجربة في غزة سابقة وكافية لخوض هذا الأمر”.

هل ترضخ مصر لمخططات ترامب تحت وطأة ضغوط الإقتصاد؟
وحسب ما نقلت وول ستريت جورنال عن مسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قولهم إن إعادة بناء قطاع غزة ستكون أسهل إذا غادر سكانها، مشيرين إلى إمكانية ضمان عودة الفلسطينيين لاحقا.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أن تلك التصريحات قد تهدف إلى جعل الفكرة أكثر قبولا سياسيا في الدول العربية، وأن المسؤولين في إدارة ترامب لم يقدموا تفاصيل دقيقة حول كيفية نقل أكثر من مليوني فلسطيني من غزة. كما سبق لترامب أن وصف غزة بأنها “مكان مدمر”، وقال إنه يفضل أن تستقبل مصر والأردن اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما رفضته الدولتان.

تقرير صحيفة هآرتس، اعتبر أن ذهاب سكان غزة شمالا تحت إشراف حركة حماس هو رد على دعوة الرئيس  ترامب لإخلاء غزة “لتنظيف” الأنقاض والبدء في إعادة الإعمار. واعتبر تقرير الصحيفة الإسرائيلية أن مقترح ترامب يتجاهل المفهوم الفلسطيني للصمود، والتمسك بالأرض حتى لو كانت حطاما وركاما.

وعن الجانب المصري، يرى عمرو سليمان، أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد في جامعة حلوان، أن “الثوابت الوطنية المصرية تفوق أي مشكلات اقتصادية، وأن الدولة المصرية لم تتخلى عن ثوابتها الوطنية فيما يخص القضية الفلسطينية حتى في ظل ظروف اقتصادية أصعب بكثير مرت بها”.

وأضاف المتحدث أن “الوضع الاقتصادي المصري يعاني بالتأكيد من تداعيات أزمات دولية من بعض المشاكل الهيكلية، لكنها سددت كل التزاماتها الدولية العام الماضي”. وأوضح أن “الوضع الاقتصادي لا يجعل مصر تقايض على ثوابتها الوطنية أو تقبل التهجير المؤقت للفلسطينيين، إذ أنها مسألة أمن قومي ليس فقط عسكري وسياسي، ولكنه أيضا أمن اقتصادي لمصر أن تظل فلسطين للفلسطينيين”.

الموقف ذاته أشار إليه أشرف العشري، مدير تحرير جريدة الأهرام، مذكرا أن “الموقف المصري هو موقف وطني موحد على المستوى السياسي والشعبي، رافض لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين”. وأوضح المتحدث “أن خطة ترامب ستفشل كما فشلت كثير من المحاولات منذ سنوات حتى الآن، وأن مصر لن تراهن على ديونها لأن الأمر يتعلق بالأمن القومي”.

منافسون إقليميون على مشاريع إعادة بناء غزة
مصر ليست الدولة الوحيدة التي تنتظر الضوء الأخضر لانطلاق ورش إعادة الإعمار في غزة، حسب الصحيفة الإسرائيلية هآرتس، الذي أشار إلى أن تركيا أيضا قد أعربت عن اهتمامها بالمشاركة، إضافة إلى قطر والإمارات العربية المتحدة.

وفي سياق التساؤل عن دور محتمل لتركيا نقلت هآرتس الإسرائيلية عن دبلوماسي تركي قوله إن “الأمر مرتبط بإصلاح العلاقات مع إسرائيل، والذي تشترط فيه تركيا وقف إطلاق نار دائم، وإنهاء الحرب”. وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أكد الأسبوع الماضي أن بلاده لها “موقف ثابت بدعم إعادة إعمار غزة”، مؤكدة التزامها بمساعدة الشعب الفلسطيني على تجاوز آثار الحرب المدمرة. كما أعلنت أكدت الهيئة امتلاكها خططا شاملة لإعادة إعمار المنازل المدمرة بالاعتماد على خبرات سابقة في إدارة مشاريع الإعمار بعد الحروب

وخلال تصريحات أدلى بها مؤخرا شدد الرئيس التركي على أن بلاده مستعدة “لبذل كل ما يلزم لتعويض الدمار الذي سببته إسرائيل”، مشيرا إلى أن إعادة بناء المستشفيات والمدارس والبنية التحتية ستكون على رأس أولويات تركيا في قطاع غزة. كما أكد أردوغان أن تركيا ستعمل على إصلاح مرافق المياه والطاقة المتضررة بشدة، مشيرا إلى أن بلاده تعتبر هذا الدور “التزاما أخلاقيا وإنسانيا تجاه الشعب الفلسطيني”.

بينما يرى المحلل المصري عمرو سليمان، أن أردوغان دائما ما يحاول أن يستغل الفرص الاقتصادية في المنطقة من خلال النفوذ السياسي التركي ولكن في مسألة غزة فالثقل السياسي للحكومة التركية قوي على حركة حماس لا يمنحها موقفا قويا مع باقي الأطراف، “عكس الحكومة المصرية التي تتمتع بمصداقية أكبر، كما أنها الأقرب جغرافيا”. وأوضح المتحدث أن “تركيا وقطر قد يقومان بالتمويل لكن التواجد على الأرض سيكون صعبا من الناحية الفنية”.

من جهته، اعتبر العشري، أن الأمر “سابق لأوانه في ظل عدم استكمال الاتفاق وإحلال السلام، وما يليه من تحضيرات من بينها إنشاء صندوق خاص لإعادة إعمار غزة”.

وأكد المتحدث أن الباب “سيكون مفتوحا أمام قطر وتركيا وغيرها من دول الخليج والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، لكن الجغرافيا ستحدد النصيب الأكبر للشركات المساهمة في العملية، أي الشركات المصرية، بينما ستساهم قطر وتركيا بالأموال والتخطيط”. 

وبدورها أبدت قطر التي لعبت دورا حيويا في مفاوضات الاتفاق بين حماس وإسرائيل اهتمامها بخطط إعادة إعمار غزة، بيد أن الدور المالي القطري ما فتئ يثير جدلا منذ سنوات بسبب توظيفه من طرف حماس في مشاريعها التسلحية، وزاد الجدل حدة بعد هجوم السابع من اكتوبر 2023 غير المسبوق على إسرائيل. وقدرت مصادر غربية قيمة الأموال التي أنفقتها قطر خلال السنوات القليلة الماضية بحوالي نصف مليار يورو.

ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية.

وفي ظل تعدد العروض للمشاركة في إعادة إعمار غزة، يبدو أن الاعتبارات الجيوسياسية سيكون لها أثر كبير في ترجيح من يكون له دور أساسي في خطط إعادة الإعمار، وضمن تلك الاعتبارات خطط ترامب للمنطقة وعلاقات دول المنطقة بإسرائيل. ففيما تعتبر الإمارات العربية المتحدة منافسا قويا لمصر بحكم علاقاتها مع إسرائيل وإدارة ترامب، تُثار أسلئة حول الأدوار المحتملة لتركيا وقطر التي تربطهما علاقات وثيقة مع حماس والتي تشدد إسرائيل على منع عودة سلطتها في غزة أوحصولها مجددا على تمويل. 

وكيفما كانت حظوظ هذا الطرف أو ذاك فإن حجم الدمار الذي شهده قطاع غزة يؤشر إلى صعوبة مهمة إعادة الإعمار وضخامتها وتكاليفها وهو ما يرجح سيناريو تشكيل تحالف إقليمي ودولي لإعادة الحياة للقطاع.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى