رأي

إصرار أميركي على الفشل

كتب د. سالم الكتبي, في “العرب” :

الحوار الإيراني – الأميركي لم ينقطع منذ وصول بايدن إلى الحكم وهو في هذا التوقيت وفي ظل الظروف المحيطة به يشجع طهران على التمادي في سلوكها العدواني دون خوف أو قلق.

من الواضح أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تمتلك إستراتيجية بديلة في التعامل مع التهديد الإيراني رغم تقارير وكالة الطاقة الذرية التي تؤكد انتهاك طهران للبنود الخاصة بمستوى تخصيب اليورانيوم، ورغم السلوك الإيراني الذي تسبب في الإضرار بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط بشكل مباشر، من خلال الحرب بالوكالة التي تخوضها إيران عبر ميليشيات إرهابية موالية لها في العراق واليمن. رغم كل ما سبق، فالإدارة الأميركية لا تزال تراهن على اللقاءات السرية عبر وساطات دول إقليمية مختلفة في إجراء حوارات مع إيران، حيث كشفت تقارير أميركية أن حوارا إيرانيا ـ أميركيا جرى مؤخراً بوساطة عمانية، وخصص حصرياً لمناقشة موضوع رفع العقوبات الغربية عن إيران. وهناك رواية أميركية معلنة تقول بأن الحوار كان مخصصاً لمسألة وقف حركة الحوثيين أنصارالله هجماتها في البحر الأحمر.

التقارير الإعلامية لا تحتاج إلى تأكيد أكثر من تمديد قرار تخفيف العقوبات عن إيران، ما يسمح لها بالاستفادة من أكثر من 10 مليارات دولار من الأموال المجمدة، وهو ما يؤكد استمرار نهج إدارة بايدن دون تغيير رغم ما طرأ من أحداث في الأشهر الأخيرة.

بغض النظر عن موضوع الحوار، فإن إدارة بايدن منذ قدومها إلى السلطة تحاول إجراء حوارات مع إيران على أمل أن يسهم الحوار بحد ذاته في تحقيق انفراجة في ملفات أخرى، وقد تسبب هذا النهج في كوارث دبلوماسية للولايات المتحدة ولكن البيت الأبيض لا يزال يتمسك به، في ظل غياب أيّ إستراتيجية بديلة في التعاطي مع إيران، رغم أن أنباء التهدئة مع طهران بل وإجراء حوار غير مباشر معها في هذا التوقيت يرسخ الفكرة السائدة عن عجز الولايات المتحدة وفشلها في الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.

مطالبة إيران، وفقاً للتأكيد الأميركي الرسمي، أن تقوم بالإسهام في لجم هجمات الحوثيين يكشف فشل تحالف “حارس الازدهار”، الذي شكلته الولايات المتحدة في عجالة، للتصدي للهجمات وحماية الممر التجاري في البحر الأحمر، ويؤكد كذلك صواب موقف الدول التي لم تشارك في هذا التحالف، ليس فقط لفشله في تحقيق الهدف المراد من ورائه، ولكن أيضاً لأن واشنطن لجأت كدأبها في السنوات الأخيرة في التخلي عن حلفائها والذهاب منفردة إلى حوار مع إيران، دون أن تناقش الأمر مع هؤلاء الحلفاء أو حتى تأخذ بالاعتبار تداعيات هكذا خطوات على مصالح هؤلاء الحلفاء وأمن دولهم واستقرارها.

بلا شك أن نهج إدارة الرئيس بايدن يعظّم مكاسب إيران الإستراتيجية من وراء حرب غزة، بل يرسّخ دور إيران كمحرك إقليمي للأحداث، بدلاً من أن يتصدى لهذا الدور ويكبح جماح طهران ووكلائها، كما يُعد الحوار معها بشأن وقف هجمات الحوثيين اعترافاً يشرعن علاقات التسليح بين طهران وجماعة الحوثي الإرهابية، وتسليما أميركيا بالأمر الواقع، ويحدّ من فاعلية قوة الردع الأميركية، ويسهم بالمقابل في تنامي إحساس النظام الإيراني بالقوة والانتصار والقدرة على تحقيق أهدافه الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.

أضف إلى ذلك أن السلوك الأميركي يضر بأمن إسرائيل نفسها، ويعكس عجز الولايات المتحدة عن حمايتها إلا من خلال الحوار مع طهران!

المسألة ترتبط كذلك بمصداقية الولايات المتحدة وسمعتها، ففي الوقت الذي كان الرئيس بايدن يتحدث فيه إلى الشعب الأميركي في خطاب “حالة الاتحاد” عن ردع إيران ووقف خطرها عبر التصدي لميليشيات الحوثي الإرهابية، كان ممثلوه يتحاورون مع الإيرانيين حول صفقة تحقق مطلبهم.

الحوار الإيراني ـ الأميركي لم ينقطع منذ وصول الرئيس بايدن إلى الحكم، ولكنه في هذا التوقيت وفي ظل الظروف والبيئة الإقليمية المحيطة به يبدو لافتاً للغاية، ويبدو أن الرئيس بايدن لديه قناعة كاملة بصعوبة التعامل مع التهديد الإيراني إلاّ من خلال الحوار، وهذا ما يسهم في تشجيع طهران على التمادي في سلوكها دون خوف أو قلق. ومن دون وجود إستراتيجية ردع كفء للتعامل أميركياً مع إيران، لن تفلح الولايات المتحدة في كبح جماح الميليشيات الإرهابية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى