إستشارات قريبة لحكومة بعيدة المنال
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
على غير عادة، رغم مرور اسابيع على نتائج الانتخابات النيابية الا ان الخطوط العريضة للحكومة الجديدة لم تتبلور بعد. انشغال المسؤولين بمعالجة وصول الباخرة اليونانية للتنقيب عن النفط في حقل كاريش أنقذت الوضع. أخّرت الاعلان عن موعد الاستشارات الملزمة او دفعت به اياماً افساحاً في المجال امام مباحثات جانبية ترجح في ضوئها اسماء مرشحين محتملين، بدل ان يبقى هؤلاء اسرى كواليس المسؤولين فيكون المتفق عليه الوحيد هو ارتفاع حظوظ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لتكليف جديد.
أرجحية تكليف ميقاتي لا تنفي وجود مرشحين آخرين من امثال عبد الرحمن البزري وجواد عدرا. استناداً الى دروس سابقة فان الاستحقاقات في لبنان عادة ما تكون مرهونة بخواتيمها وبمشاورات اللحظات الاخيرة وتداخل عوامل المحلي مع الاقليمي والدولي. لغاية اليوم لا دور فرنسياً او اميركياً ولا حتى سعودياً يمكن الحديث عنه. مجرد زيارات مكوكية تقوم بها السفيرة الفرنسية على مختلف القوى السياسية بمن فيها «حزب الله» لاستطلاع الآراء حول شكل الحكومة المقبلة والمرشح لتولي رئاستها. فوفق ما رشح عن احد لقاءاتها قالت السفيرة الفرنسية آن غريو ان بلادها ومن خلال تجربتها معه، فان ميقاتي ربما يكون الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة الجديدة والذي يتناسب والظروف المحلية الراهنة. أما اميركياً وسعودياً فلم يحرك الاميركيون والسعوديون ساكناً. وفي الوقت المستقطع يحاول رئيس الجمهورية اجراء عملية جس نبض حكومي، مستطلعاً آراء البعض حول شكل الحكومة ورئيسها والمتوجب عليها. وهنا تختلف الآراء بين من يريدها حكومة وحدة وطنية اي حكومة سياسية، اي الثنائي و»التيار الوطني الحر»، وحكومة تكنوسياسية كـ»القوات» و»الكتائب» وغيرهما. اما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فدخل في مرحلة تقييم لوضعيته الحكومية المقبلة. تقول المصادر المطلعة ان ميقاتي متصالح مع نفسه، مدرك صعوبة المرحلة ودقة الوضع وان قبوله سيضعه امام تحدٍّ قوي. تمضي المصادر قائلة ان ميقاتي الذي يجتمع مع الرئيس ميشال عون باستمرار وان لم يلتق رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مباشرة، فان ما تنامى اليه ان الاخير يرغب في حكومة سياسية يتمثل فيها «التيار الوطني» بثلاث حقائب وزارية هي الى الطاقة وزارتا العدل والخارجية التي يريد تسلمها بنفسه. وتمضي المصادر في تعليلها اسباب ذلك بالقول ان عون لن يغادر قصر بعبدا ما لم تتشكل حكومة قوية قادرة على ادارة الوضع، في حال تأخير انتخاب رئيس جديد للجمهورية وهو لن يسلم صلاحياته لحكومة تصريف اعمال في اي حال من الاحوال، وازاء مثل هذا الواقع فان باسيل يعتبر وجوده ضرورة في حكومة ستتولى الحكم لفترة غير محددة زمنياً.
وتمضي المصادر قائلة في الواحد والثلاثين من تشرين المقبل تنتهي ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون. انتخاب خلف له لن يكون ميسراً اذا ما طالت الازمة. مثل هذا الانتخاب تلزمه ارضية جاهزة واجواء اقليمية ودولية لن تكون بالمتناول لتمرير الاستحقاق بهدوء. الامر الذي يعزز امكانية استمرار الحكومة الجديدة الى اجل غير مسمى مع صلاحيات رئاسية ستجير لها حكماً. هذا ما يعتقده باسيل وفق المصادر عينها فيضع شروطاً يعتبرها ميقاتي قاسية على اي رئيس مكلف. نقطة ثانية بالغة الصعوبة ستعترض عمل ميقاتي اذا ما قبل تكليفاً جديداً وهي رفض «القوات» و»الكتائب» وقوى التغيير التمثل في الحكومة. وهذه ستصب حكماً في مصلحة «التيار الحر» الذي سيؤمن بمشاركته ميثاقية التمثيل المسيحي، خاصة وان عودته ستكون متوقفة على تكليف الثنائي الشيعي و»الاشتراكي» وبعض نواب التغيير اي بنتيجة لن تتعدى الستين صوتاً سيقبل فيها ميقاتي.
المتوقع ان يدعو رئيس الجمهورية الى الاستشارات النيابية الملزمة مطلع الاسبوع المقبل. حتى ذلك الحين تكون الكتل النيابية قد خرجت بتصور عن شخصية الرئيس المكلف فيما شكل الحكومة بات بحكم المحسوم اي حكومة سياسية او حكومة وحدة وطنية، لكن المعضلة الحقيقية في احجام كتل اساسية عن المشاركة كـ»القوات اللبنانية» والتغيريين، وهو ما ترى فيه مصادر سياسية موقفاً مستغرباً اذ كيف لكتلة نيابية ان تعبر عن وجودها خارج تمثيل وزاري في الحكومة.
الى ان تتوضح الرؤية حكومياً يبقى عنصر المفاجآت حاضراً في حال دخول اي عامل خارجي طارئ او محاولة خلق امر واقع جديد. الحقيقة الوحيدة المتفق عليها ان الاستشارات ستجري حكماً فيما التشكيل لن يكون قريباً ابداً وايام ميقاتي الحكومية ستدوم طويلاً.