إدلب تحت النار.. هل هي غزة جديدة؟
كتبت إبتسام تريسي في الجزيرة.
قصف على إدلب.. قصف على دارة عزة.. قصف على الأبزمو.. قصف على أريحا.. هل من المهم أن نذكر أسماء القتلى؟ هل نقول؛ ماتت مريم ابنة السنة ونصف السنة؟ ماذا يفيد إن قلنا؛ إنّ أباها قتل معها؟ وهل يمكن أن نقول؛ إنّ أخاها معتقل منذ ثماني سنوات؟ أم نكتفي بالقول؛ إن ثمانية قتلى قضوا في قصفٍ على دارة عزة، واثنَين في الأبزمو، ولا نعلم بعد إن كانت المدرسة في إدلب قد سقط عليها الصاروخ أم لا؟
ربما علينا التغاضي عما يحدث في إدلب، فقد أصبحت أخبارها مملةً، ثمّ إنّ أهل إدلب – ومعها الريف الغربي لمحافظة حلب – كلّهم إرهابيون، ويجب التواطؤ مع قتَلتهم، لقد تسبّبوا بخراب سوريا الجميلة – كما يقول بعض المثقفين -، والفصائل الإسلامية المنتشرة كالفطر فيها مدعومةٌ من إسرائيل – كما يقول الأسد وأعوانه – ولذلك يدعو البعض إلى إبادتهم كبارًا وصغارًا.
فإذا كان علينا التطبيع مع الأسد فلنساعده إذًا على التخلص من هذه الكتلة البشرية الإرهابية. لكن هذه الصواريخ الأسدية لا تسقط على الفصائل الإرهابية، ولم يُطلق الأسد رصاصة واحدة على جماعة الجولاني، إنها فقط على المدنيين؛ لأنّهم الحاضنة الشعبية للإرهاب، وعندما يُدمّر منطقة تجارية في دارة عزة، فإنّه بذلك يضيّق الخناق الاقتصادي على فصائل الإرهاب، وعندما يدمّر مدرسة في إدلب، فإنّه بذلك يقضي على إرهابيين محتملين.
الأسد أو نحرق البلد
الشعار الذي رفعه الجيش الأسدي منذ بداية الثورة السوريّة، ما زال ساريَ المفعول حتّى الآن، مع أنّ الأسد تمكّن من خنق سوريا بمخالبه المستعارة من القوى التي استقدمها لمساعدته في قتل شعبه، والمحافظة على كرسيه.
وما زالت نيران صواريخه تصبُّ حُممها على المدنيين فيما يسمى – المناطق المحررة- والتي لم تأخذ نصيبها من الاسم مطلقًا، فقد خرجت من حكم الأسد إلى حكم الفصائل المسلّحة، واستقرت أخيرًا للجولاني الذي نَصّب نفسه الحاكم المطلق لإدلب، كما نُصِّب “أبو عمشة” حاكمًا في ريف حلب. بمعنى أنّ المحرر تقاسمه رجال الأسد الذين أطلقهم من سجونه ضمن خُطّة مدروسة لاغتيال الثورة السورية.
إنّه العبث بعينه تعيشه إدلب. فقد اتُخذ القرار منذ بدايات الثورة السورية لنقل كلِّ من ثار في وجه الأسد مطالبًا بالحريّة والكرامة إلى محافظة إدلب، وقامت الحافلات الخضر بنقل كلّ المسلحين من الغوطة، ومن درعا، ومن حمص، وحماة باتجاه إدلب.
ومنذ ذلك الزمن صرَّح وزير خارجية أميركا بأنّ المحرقة ستكون في إدلب. كما هدّدت روسيا ذات يوم باستخدام النووي على إدلب. وقبل ذلك كلّه وفي عام 2013 تبنّى النظام عملية نقل عناصر جبهة النصرة من درعا إلى إدلب بعملية يُفترض أنها كانت سريّة – لكن مع مرور القافلة بأكثر من ثمانٍ وخمسين نقطة تفتيش، لم تعد لها أيّ سرية- كشفها المتابعون الحقيقيون على الأرض، وتغافلت عنها وكالات الأنباء العالمية، كما تغافلت عن الثورة برمتها، وقالت عنها؛ إنّها حرب أهلية.
ماذا يجري في إدلب؟
لا شيءَ جديد، إنّها المحرقة اليومية المستمرة منذ 2011 إلى اليوم، إلا أنّ وتيرتها تزايدت بعد المجزرة التي ارتكبها أعوان النظام في الكلية الحربية في حمص، واتهموا بها الفصائل المسلّحة في إدلب، فبدأت موجة ثأر هوجاء، وتجدّدت الدعوات لحرق إدلب بمن فيها، رغم أنّ فرع الأمن العسكري هو من قام بالهجوم على الكلية، كما أكّد أقرب المقربين من بشار الأسد! وتمّ اعتقال بعض الضباط والعناصر فيه بهذه التهمة.
وعندما اشتعلت الحرب على غزة تجدّد اتّهام الفصائل المسلّحة في إدلب بتلقي الدعم الإسرائيلي، فصار الأسد وأعوانه ينتقمون من إدلب ردًا على إسرائيل التي تتسلّى يوميًا بقصف مواقع محددة في سوريا، وخاصة المطارات، لا لشيء إلا لإبقاء أنصار محور المقاومة على قناعة بأنّ الأسد وأعوانه ضدّ إسرائيل، بعدما تبيّن للعالم كلّه حالة الخذلان العظيم التي تعرّض له الفلسطينيون في غزة.
قهر وترويع
ما يحدث – على الرغم من تكراره حدّ الاعتياد- لا يمكن لبشر أن يتحمله أو يرضى بحدوثه.
لم يبقَ فيها مدارس، ولم يبقَ فيها أفران خبز، ولا أسواق تجارية، ولا مستشفيات. إن من يُقتل فيها حصرًا من المدنيين، ولو قُيض للنظام أن يتعلّم الصلاة، لكان صلى في كلّ يوم؛ شكرًا لله على وجود هذه الفصائل التي حرست حدوده وكرسيه أكثر من حراسة جيش الأسد الأب حدودَ إسرائيل.
ماذا يحصل في إدلب؟ بكلّ بساطة يموتون بالقصف اليوميّ من صواريخ الأسد وأعوانه، ويعيش أبناؤها نزوحًا داخليًا قسريًا، ويتظاهرون لأجل غزة، فهم ممنوع عنهم السفر، ممنوع عنهم الهجرة إلا إلى السماء، كما مُنع عنهم العلاج في الدول المجاورة.
لقد استطاعت مخابرات الدول الإقليمية والدولية، صناعةَ قطاع أشبه بقطاع غزة، وغدًا بعد مرور سنوات على الحصار -إن انتفضوا- سيكون مصيرهم مصير غزة، لكن هذه المرّة بدون حشد دولي ينصفهم.
وسيأتي رئيس ما أو مسؤول أممي ليحاضر بعد إبادتها في مؤتمر رفيع المستوى، مستعيرًا ما قاله بشّار الأسد عن غزة: (أمّا الحديث عن عملية السلام وغيرها من التفاصيل والحقوق، فهو على أهميته ليس الأولوية في هذه اللحظة الطارئة، مع معرفتنا أنّ الحديث فيها وعنها لن يثمر، ولن يجدي؛ لأنّه لا وجود لشريك، ولا لراعٍ، ولا لمرجعية، ولا لقانون. ولأنّه لا يمكن استعادة حق، والمجرم أصبح قاضيًا، واللص حكمًا، وهذا هو حال الغرب اليوم).
وسينصت الجميع، ويصفِّقون!