رأي

إدانات دولية للعدوان: الحلّ عبر الدبلوماسية فقط

كتب سعيد محمد, في الأخبار:

أثار استهداف واشنطن ثلاثة مواقع نووية إيرانية، استنكارات عالمية، وتحذيرات من تصعيد خطير يهدّد استقرار الشرق الأوسط، ويتسبّب باضطرابات في أسواق النفط العالمية.

في تطوّر مثير للقلق، هزّت الغارات الجوية الأميركية المباشرة على ثلاثة مواقع إيرانية لتخصيب اليورانيوم، فجر أمس، العالم بأسره، دافعةً بالشرق الأوسط إلى حافة الهاوية. وأثار هذا التصعيد الخطير، الذي جاء بعد أيام من تكهّنات حول تورُّط الولايات المتحدة في حملة القصف الإسرائيلية ضدّ إيران، موجة إدانات وتحذيرات دولية، وسط خشية متزايدة من انزلاق الإقليم، والعالم، إلى صراع ستكون عواقبه كارثية.

وفيما دعت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى اجتماع طارئ لمجلس محافظيها، اليوم، لمناقشة تداعيات الهجوم الأميركي، جدّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعبيره المعتاد عن «القلق البالغ» إزاء الضربات، التي اعتبرها «تصعيداً خطيراً في منطقة متوتّرة بالفعل، وتهديداً مباشراً للسلام والأمن الدوليَّين»، محذّراً من «تزايد خطر خروج هذا الصراع عن السيطرة بسرعة، مع عواقب كارثية على المدنيين والمنطقة والعالم». وشدّد غوتيريش على أنه «لا يوجد حلّ عسكري (للصراع). السبيل الوحيد للمُضيّ قُدماً هو الدبلوماسية. والأمل الوحيد هو السلام».

ودعت الصين، من جانبها، إلى وقف فوري لإطلاق النار، ودانت بشدّة الهجمات الأميركية، معتبرة إيّاها «انتهاكاً خطيراً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ومبادئهما»، وأنها «تزيد من حدّة التوترات في الشرق الأوسط». وطالبت جميع أطراف النزاع، وإسرائيل على وجه الخصوص، بالتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في أقرب وقت ممكن، وضمان سلامة المدنيين، وبدء الحوار والمفاوضات. كما أكّدت بكين استعدادها للعمل مع المجتمع الدولي «لتوحيد الجهود ودعم العدالة، والعمل على استعادة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط». وكان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أكّد، الأسبوع الماضي، أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يمثّل «أولوية قصوى للعالم».

ولم تكن روسيا بعيدة من هذا الخطاب؛ إذ دانت، بدورها، الهجمات بشدّة، واصفة إيّاها بـ»غير المسؤولة»، وبكونها تشكّل «انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي». ومما جاء في بيان الخارجية الروسية، أن «القرار غير المسؤول بإخضاع أراضي دولة ذات سيادة لهجمات صاروخية وقنابل، مهما كانت الحجج التي قد تسوقها، ينتهك بشكل صريح القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». ونبّهت موسكو إلى أن هذا التصعيد «يزيد بشكل كبير من خطر توسيع الصراع في الشرق الأوسط»، داعيةً إلى «وضع حدّ للعدوان وزيادة الجهود لخلق ظروف لعودة الوضع إلى مسار سياسي ودبلوماسي».

أمّا أوروبا، التي مهّدت للعدوان الإسرائيلي على إيران – عبر دفعها «وكالة الطاقة الذرية» إلى إصدار قرار مفاجئ غير مسبوق اتهمت فيه طهران بعدم الالتزام بمتطلبات اتفاقية الحدّ من انتشار الأسلحة النووية -، كما للعدوان الأميركي، من خلال إجراء محادثات مع الجانب الإيراني بحجّة العودة إلى المسار التفاوضي تحت سقف مهلة مخادعة أعلنها ترامب لمدّة أسبوعين، فلم تكن بعيدة في ردود فعلها عن مربّع التواطؤ مع العدوان، وإنْ كانت أبدت خشيتها على مصالحها الاقتصادية، في حال اضطراب أسعار النفط العالمية، كما سلامة حلفائها الخليجيين الذين يستضيفون على أراضيهم العديد من القواعد العسكرية الأميركية والغربية.

تخشى أوروبا على مصالحها الاقتصادية، في حال اضطراب أسعار النفط العالمية

وفي هذا الإطار، عقد رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، اجتماعاً عاجلاً للحكومة الأمنية، «كوبرا»، لمناقشة التطوّرات، مؤكداً أن بلاده لم تشارك في الهجوم، لكنها أُبلغت به مسبقاً، باعتبارها حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة. ولفت أيضاً إلى أن لندن «قامت مسبقاً بنقل أصول عسكرية إلى الشرق الأوسط للتأكّد من أنّنا في وضع يسمح لنا بحماية مصالحنا وموظفينا وقواعدنا، وبالطبع مصالح حلفائنا».

وحذّر ستارمر، طهران من «خطر التصعيد بما يتجاوز الإقليم»، في إشارة إلى إمكان استهداف مصالح أميركية وغربية عبر الشرق الأوسط، مجدّداً تأكيد موقف بلاده من أنه «لا يمكن أن يُسمح لإيران بحيازة سلاح نووي». كذلك، اعتبر رئيس الوزراء أن «الولايات المتحدة اتّخذت إجراءات لتخفيف هذا التهديد (النووي الإيراني) «، لكنّه شدّد على أهمية «تهدئة الوضع الآن، وتثبيت استقرار المنطقة، وإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات». وأجرى ستارمر، لهذه الغاية، اتصالات بكل من ملك الأردن، وسلطان عمان، مؤكداً لهما أن أولوية بريطانيا في هذه المرحلة، «استقرار المنطقة الأوسع في الشرق الأوسط ككلّ».

وأعربت فرنسا، من جهتها، عن قلقها من الضربات الأميركية، مؤكدةً أنها لم تكن جزءاً منها. ووفقاً لوزير خارجيتها، جان-نويل بارو، فإن بلاده «تحثّ جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس لتجنّب أيّ تصعيد يمكن أن يؤدّي إلى اتساع نطاق الصراع». وفي حين ترفض باريس مبدأ امتلاك إيران لسلاح نووي، فإنها ترى أن «الدبلوماسية وحدها هي التي يمكن أن تحقّق حلّاً دائماً». وعقد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع لمناقشة التطوّرات، فيما أجرى جولة مكثّفة من المحادثات مع القادة الأوروبيين، والخليجيين، بمن فيهم وليّ العهد السعودي، وأمير قطر، ورئيس الإمارات، وسلطان عمان.

ولاحقاً، كتب عبر حسابه على منصة «إكس»: «في أعقاب الضربات (الأميركية) الليلية، دعوت إلى خفض التصعيد، وإلى ممارسة إيران أقصى درجات ضبط النفس في هذا السياق الخطير، للسماح بالعودة إلى القنوات الدبلوماسية»، مشدّداً على دعوة إيران إلى التخلّي عن الأسلحة النووية، أو «مواجهة خطر الأسوأ على المنطقة برمّتها». كما أعلن ماكرون تسريع نقل المواطنين الفرنسيين الذين يرغبون في مغادرة إيران وإسرائيل.

وفي برلين، دعا المستشار الألماني، فريدريك ميرز، مجلس الوزراء الأمني في البلاد إلى اجتماع طارئ، وحثّ إيران على «البدء فوراً في مفاوضات مع الولايات المتحدة وإسرائيل للتوصّل إلى حلّ دبلوماسي للصراع»، وفقاً للناطق باسمه، ستيفان كورنيليوس. وانضمّت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إلى جوقة المردّدين أن «إيران يجب ألّا تحصل على القنبلة النووية أبداً»، إذ كتبت عبر «إكس»: «مع وصول التوتّرات في الشرق الأوسط إلى ذروة جديدة، يجب أن يكون الاستقرار هو الأولوية. واحترام القانون الدولي أمر بالغ الأهمية. الآن، هي اللحظة المؤاتية لإيران للانخراط في حلّ دبلوماسي ذي مصداقية»، مضيفة: «طاولة المفاوضات هي المكان الوحيد لإنهاء هذه الأزمة».

كذلك، دعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس، جميع الأطراف إلى «التراجع والعودة إلى طاولة المفاوضات ومنع المزيد من التصعيد»، وأكّدت أن «إيران يجب ألا يُسمح لها بتطوير سلاح نووي»، مشيرة إلى أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيناقشون الوضع في اجتماع طارئ (الإثنين).

أمّا رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، فعبّر بعد محادثة مع الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عن «قلق الهند العميق من التصعيد الأخير»، داعياً إلى «خفض فوري للتصعيد، والحوار والدبلوماسية كسبيل للمضيّ قدماً، ولإعادة السلام والأمن والاستقرار الإقليمي سريعاً».
كذلك، دانت باكستان، الدولة النووية الجارة لإيران والحليفة التاريخية لواشنطن، الهجمات الأميركية، معتبرةً إيّاها «انتهاكاً لجميع الأعراف الدولية». وأعربت عن «قلقها البالغ من احتمال المزيد من تصعيد التوترات في المنطقة»، مؤكّدة أن «لإيران الحقّ المشروع في الدفاع عن نفسها بموجب ميثاق الأمم المتحدة».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى