إجماع على عدم “حرق” الأسماء الرئاسيّة… “الطبخة” لم تنضج بعد!
ابراهيم ناصر الدين .. الديار
فرنسا تخشى فراغاً دستورياً
وفوضى أمنيّة واجتماعيّة
لا “صوت يعلو على صوت” الانتخابات الرئاسية داخليا. لكن المفارقة ان الخارج حتى الآن لا يلاقي مختلف الجهات اللبنانية في اصرارها على محاولة فهم طبيعة تعامل الخارج مع هذا الاستحقاق قبيل بدء المهلة الدستورية في ايلول المقبل. لكن زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة لن تكون حاسمة في هذا الاستحقاق، لان لبنان ليس على “الطاولة” في هذه الجولة، ويحضر فقط على هامشها من “بوابة” ملف الترسيم التي يخوض النقاش حوله “الوسيط” الاميركي عاموس هوكشتاين دون تدخل رئاسي مباشر.
وكذلك لن يأتي الخبر اليقين من القمة الثلاثية في طهران، فالرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ونظيريه التركي والروسي، منشغلون بملفات اكثر اهمية من استحقاق هامشي لن يقدم او يؤخر في مسار رسم معالم التحالفات الجديدة في منطقة تقع على تقاطع مصالح شديد الاهمية للقوى المتصارعة اليوم في اوكرانيا.
ولهذا سيبقى لبنان يشهد مراوحة “قاتلة” بكل ما للكلمة من معنى في ظل اتجاه البلاد دون كوابح نحو فراغ دستوري في الرئاسة الاولى، تزامنا مع صراع محتدم حول شرعية حكومة تصريف الاعمال وقدرتها على تولي مسؤولية قيادة البلاد، في وقت يحتدم الصراع لمنع ولادة حكومة جديدة على وقع استعدادات متبادلة بين حلفاء العهد وخصومه لخوض “كباش” جديد عنوانه تعطيل النصاب القانوني لجلسة الانتخابات الرئاسية، وافقاد حكومة ميقاتي الحالية “الميثاقية” الدستورية.
وقد جاء لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون بالسفيرة الفرنسية آن غريو بالامس، يرافقها السكرتير الاول في السفارة جان هيلبرون، الموكل مهام المتابعات اليومية مع المسؤولين اللبنانيين، ليؤكد وجود “خواء” غربي في التعامل مع هذا الاستحقاق. ووفقا لمصادر مطلعة فان باريس تتحرك “بخجل”، وكانت السفيرة الفرنسية مصرة على الحصول على اجوبة محددة بشأن فرص تشكيل الحكومة الجديدة، وفهمت ان الامور “مش ماشية”. فانتقل النقاش الى الاستحقاق الرئاسي، حيث تمنعت غريو عن اعطاء اي تعليق حول موقف بلادها من مواصفات الرئيس العتيد، لكنها شددت على معرفة كيفية ادارة البلاد في حال وقوع الفراغ الرئاسي، خصوصا ان الكثير من الشكوك تدور حول “شرعية” حكومة تصريف الاعمال. وهنا تولى مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي مهمة شرح وجهة نظر بعبدا التي ترى ان حكومة مماثلة ليست “مكتملة” الاوصاف، خصوصا اذا “تمرد” عدد من الوزراء من “لون واحد” طائفيا، وقرروا الانسحاب منها، بعد تعذر تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس للجمهورية. في اشارة منه الى نية التيار الوطني الحر عدم ابقاء الوزراء المحسوبين عليه في حكومة ميقاتي الحالية. وهنا شددت غريو على اهمية الاسراع في اقرار البرلمان للقوانين اللازمة من اجل استعادة الوضعين الاقتصادي والمالي عافيتهما، باعتبار مجلس النواب هو الملاذ الشرعي المكتمل المواصفات، وباستطاعته التخفيف من حدة الانهيار.
ووفقا لمصادر ديبلوماسية، تخشى باريس دخول لبنان في فوضى دستورية تؤدي الى انهيار متسارع للوضعين السياسي والاقتصادي، ما سينعكس حكما على الوضع الامني. ووفقا للمعلومات، فان باريس تتعامل مع العهد على انه في آخر ايامه ، بعدما باتت على قناعة بان الحظوظ الرئاسية لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل باتت شبه معدومة، وهذا يعني ان الخط السياسي للرئيس عون سيكون خارج بعبدا، ولهذا كانت السفيرة الفرنسية معنية بالحصول على اجوبة حول كيفية مقاربة العهد الحالي وتياره السياسي مع الملفات بعد انتهاء الولاية الرئاسية، وكان لافتا سؤالها رئيس الجمهورية حول اللغط القائم حيال بقائه في بعبدا بعد انتهاء ولايته، فكان الجواب حاسما بانه لن يبقى دقيقة واحدة بعد منتصف الليل.
وفي غياب المرشح الفرنسي الصريح للرئاسة، لا تملك واشنطن ايضا “حصانا” رابحا في “السباق”، وحتى الآن لم يحصل المراجعون للسفارة الاميركية في “عوكر” على اي جواب حاسم حول مرشح الاميركيين المفضل للرئاسة. وسمع زوار السفارة، كلاما واضحا حيال التريث في تبني اي مرشح، بانتظار “نقلة” الطرف الآخر على “رقعة الشطرنج” لكيلا يحرق اي اسم.
وكما بات الفرنسيون مقتنعون بعدم قدرة باسيل على الفوز بالاستحقاق، يعرف الاميركيون جيدا ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” خارج المنافسة اصلا، وهو غير صالح حتى “للمناورة”. ولهذا يعمل الاميركيون وفق اجندة تقوم على منع وصول اي مرشح مدعوم من حزب الله الى بعبدا، وفي المقابل، يعتقدون انه ليس بالإمكان انتخاب رئيس تحد. ولهذا فهم يتطلعون الى تسوية تقوم على ترشيح رئيس “وسطي” مقبول من الجميع دون ان يكون استفزازيا لاحد. ولدى السؤال عن اسم هذا الشخص، يلتزم الديبلوماسيون الاميركيون بالصمت، وثم يبادرون الى القول “هناك متسع من الوقت” لا داعي لحرق المراحل.!
واذا كانت موسكو ليست لاعبا رئيسيا على الساحة اللبنانية، فان طهران بما تملكه من امتداد للنفوذ عبر حزب الله، ليست معنية بالملف الرئاسي، وتترك امر البت فيه لحليفها اللبناني “الاكثر قدرة على مقاربة الموضوع”. اما الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فهو اخفق في “مسك” ملف السنة في لبنان، وعاد وسلّم “بالقضاء والقدر” السعودي، حيث تواصل الرياض “ادارة ظهرها للشأن اللبناني، ولهذا التركي خارج كل الحسابات لبنانيا. وهذا يعني حكما ان لبنان ليس على جدول اعمال القمة الثلاثية في طهران، ومن ينتظر الخارج يبدو انه سينتظر طويلا لاننا في اسفل جدول الاولويات.
داخليا، لا جديد لدى القوى السياسية لتبني عليه استراتيجية واضحة لخوض المعركة الرئاسية، ولن يتورط احد بالاستعجال في تبني اي مرشح حتى “تنضج الطبخة” في الاقليم، لكن القوى المسيحية الرئيسية “منزعجة” من المواصفات التي حددها البطريرك الماروني بشارة الراعي لرئيس الجمهورية الجديد، والتي تفترض فيه بأن يكون حياديا ويترفع عن الاصطفاف السياسي ويتمتع بالخبرة والكفاءة، وأن يكون موضع ثقة اللبنانيين، وألا ينتمي إلى محور معين له امتداداته الخارجية، وهذا يعني انها عمليا باتت خارج “السباق” بمقاييس بكركي. لكن مصادر مطلعة تؤكد ان كلام الراعي لا يملك المفاعيل التنفيذية، وهو بات خارج دائرة التأثير في هذا الاستحقاق، ومواصفاته مجرد “تمنيات” لا اكثر ولا اقل، ولا تصرف على “ارض الواقع” متى تمت التسوية.
في هذا الوقت، يبقى رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية متقدما على منافسيه في “معسكر”8 آذار، لكن يبقى اقتناع باسيل بهذه الحقيقة موضع “شك”، فهو لم يقدم اي التزام حتى الآن بدعم مرشح حليفه مهما كانت هويته، بحسب مصادر سياسية مطلعة، ويريد على الاقل ان “يلعب” دور “صانع الرؤساء”، وهذا يعني الحصول على ” ثمن” مناسب لما يعتبرها تضحية من قبله. وهنا تطرح الكثير من الاسئلة حول قدرة اي رئيس على تقديم التزامات معنية في العهد الجديد؟ ثم يبقى الاهم وهو مرتبط “بالضمانة” المطلوبة لالتزام الرئيس العتيد بما تم الاتفاق عليه! “الفراغ” آت لا محالة الا اذا حصل تطور خارج كل الحسابات المنطقية؟